للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الوسائل المعينة على ترك الكبر]

هذا وعلاج التكبر - بحيث تطهر منه النفس، ولا يعود إليها مرة أخرى - إنما يكون باتباع الأساليب والوسائل التالية:

١. تذكير النفس بالعواقب والآثار المترتبة على التكبر، سواء كانت عواقب ذاتية أو متصلة بالعمل الإسلامي، وسواء كانت دنيوية أو أخروية على النحو الذي قدمنا، فلعل هذا التذكير يحرك النفس من داخلها، ويحملها على أن تتوب، وتتدارك أمرها قبل ضياع العمر وفوات الأوان.

٢. عيادة المرضى، ومشاهدة المحتضرين وأهل البلاء وتشييع الجنائز، وزيارة القبور، فلعل ذلك أيضاً يحركه من داخله، ويجعله يرجع إلى ربه بالإخبات، والتواضع.

٣. الانسلاخ من صحبة المتكبرين، والارتماء في أحضان المتواضعين المخبتين، فربما تعكس هذه الصحبة بمرور الأيام شعاعها عليه، فيعود له سناؤه، وضياؤه الفطري كما كان عند ولادته.

٤. مجالسة ضعاف الناس وفقرائهم، وذوى العاهات منهم، بل ومؤاكلتهم ومشاربتهم، كما كان يصنع النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحبه الكرام، وكثير من السلف، فإن هذا مما يهذب النفس ويجعلها تقلع عن غيها، وتعود إلى رشدها.

٥. التفكر في النفس، وفي الكون، بل وفي كل النعم التي تحيط به من أعلاه إلى أدناه، مَن مصدر ذلك كله؟ ومن ممسكه؟ وبأي شيء استحقه العباد؟ وكيف تكون حاله لو سلبت منه نعمة واحدة فضلاً عن باقي النعم؟؟؟ فإن ذلك التفكر لو كانت معه جدية، يحرك النفس ويجعلها تشعر بخطر ما هي فيه، إن لم تبادر بالتوبة والرجوع إلى ربها.

٦. النظر في سير وأخبار المتكبرين، كيف كانوا؟ وإلى أي شيء صاروا؟ من إبليس والنمرود إلى فرعون، إلى هامان، إلى قارون، إلى أبي جهل، إلى أبي بن خلف، إلى سائر الطغاة والجبارين والمجرمين، في كل العصور والبيئات فإن ذلك مما يخوف النفس ويحملها على التوبة والإقلاع، خشية أن تصير إلى نفس المصير، وكتاب الله - عز وجل - وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وكتب التراجم والتاريخ خير ما يعين على ذلك.

٧. حضور مجالس العلم التي يقوم عليها علماء ثقات نابهون، لاسيما مجالس التذكير والتزكية، فإن هذه المجالس لا تزال بالقلوب حتى ترق وتلين وتعود إليها الحياة من جديد.

٨. حمل النفس على ممارسة بعض الأعمال التي يتأفف منها كثير من الناس ممارسة ذاتية ما دامت مشروعة، كأن يقوم هذا المتكبر بشراء طعامه وشرابه وسائر ما يلزمه بنفسه، ويحرص على حمله

والمشي به بين الناس، حتى لو كان له خادم، على نحو ما كان يصنع النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحبه والسلف، فإن هذا يساعد كثيراً في تهذيب النفس وتأديبها، والرجوع بها إلى سيرتها الأولى الفطرية، بعيداً عن أي التواء أو اعوجاج.

٩. الاعتذار لمن تعالى وتطاول عليهم بسخرية أو استهزاء، بل ووضع الخد على التراب وإلصاقه به، وتمكينه من القصاص على نحو ما صنع أبو ذر مع بلال لما عاب عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - تعييره بسواد أمه.

١٠. إظهار الآخرين بنعمة الله عليهم، وتحدثهم بها - لاسيما أمام المستكبرين - علهم يثوبون إلى رشدهم وصوابهم، ويتوبون ويرجعون إلى ربهم، قبل أن يأتيهم أمر الله.

١١. التذكير دوماً بمعايير التفاضل والتقدم في الإسلام:

إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات: ١٣].

((كلكم بنو آدم، وآدم خلق من تراب، ولينتهين قوم يفخرون بآبائهم، أو ليكونن أهون على الله - تعالى - من الجعلان)) (١).


(١) رواه البزار (٢٩٣٨) من حديث حذيفة رضي الله عنه. وقال: لا نعلمه يروى عن حذيفة إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد. وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٨/ ٨٩): فيه الحسن بن الحسين العرني وهو ضعيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>