للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[نماذج من تواضع النبي صلى الله عليه وسلم:]

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جم التواضع، لا يعتريه كبر ولا بطر على رفعة قدره وعلو منزلته، يخفض جناحه للمؤمنين ولا يتعاظم عليهم، ويجلس بينهم كواحد منهم، ولا يعرف مجلسه من مجلس أصحابه لأنه كان يجلس حيث ينتهي به المجلس، ويجلس بين ظهرانيهم فيجيء الغريب فلا يدري أيهم هو حتى يسأل عنه، روى أبو داود في سننه عن أبي ذر وأبي هريرة قالا: ((كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم يجلس بين ظهري أصحابه فيجيء الغريب فلا يدري أيهم هو حتى يسأل فطلبنا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نجعل له مجلسا يعرفه الغريب إذا أتاه ... )) (١).

وقال له رجل: يا محمد أيا سيدنا وابن سيدنا، وخيرنا وابن خيرنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أيها الناس، عليكم بتقواكم، ولا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد بن عبد الله، أنا عبد الله ورسوله، ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلنيها الله)) (٢).

- وكان صلى الله عليه وسلم من تواضعه يتفقد أحوال أصحابه ويقوم بزيارتهم، فقد روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمرو قال: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر له صومي فدخل علي فألقيت له وسادة من أدم حشوها ليف فجلس على الأرض وصارت الوسادة بيني وبينه فقال أما يكفيك من كل شهر ثلاثة أيام، قال: قلت يا رسول الله قال خمسا قلت يا رسول الله قال سبعا قلت يا رسول الله قال تسعا قلت يا رسول الله قال إحدى عشرة ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا صوم فوق صوم داود - عليه السلام - شطر الدهر صم يوما وأفطر يوما)) (٣).

وكان يتفقدهم حتى في الغزوات والمعارك، ومن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي برزة ((أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان في مغزى له فأفاء الله عليه فقال لأصحابه هل تفقدون من أحد. قالوا نعم فلانا وفلانا وفلانا. ثم قال هل تفقدون من أحد. قالوا نعم فلانا وفلانا وفلانا.

ثم قال هل تفقدون من أحد. قالوا لا. قال لكني أفقد جليبيبا فاطلبوه. فطلب في القتلى فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فوقف عليه فقال: قتل سبعة ثم قتلوه هذا مني وأنا منه هذا مني وأنا منه، قال فوضعه على ساعديه ليس له إلا ساعدا النبي -صلى الله عليه وسلم- قال فحفر له ووضع في قبره.)) (٤).


(١) رواه أبو داود (٤٦٩٨)، والنسائي (٤٩٩١) من حديث أبي ذر وأبي هريرة رضي الله عنهما. وسكت عنه أبو داود، وصححه الألباني في ((صحيح أبي داود)) (٤٦٩٨).
(٢) رواه أحمد (٣/ ١٥٣) (١٢٥٧٣)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (٩/ ١٠٣) من حديث أنس رضي الله عنه. وجوَّد إسناده الشوكاني في ((الفتح الرباني)) (١/ ٣٣٦)، وصحح إسناده أحمد شاكر في ((عمدة التفسير)) (١/ ٦١١).
(٣) رواه البخاري (١٩٨٠)، ومسلم (١١٥٩) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
(٤) رواه مسلم (٢٤٧٢) من حديث أبي برزة رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>