للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[نماذج من تواضع العلماء المتقدمين:]

تواضع ابن تيمية:

قال البزار وهو يذكر تواضع ابن تيمية: (وأما تواضعه فما رأيت ولا سمعت بأحد من أهل عصره مثله في ذلك، كان يتواضع للكبير والصغير والجليل والحقير والغني الصالح والفقير وكان يدني الفقير الصالح ويكرمه ويؤنسه ويباسطه بحديثه المستحلى زيادة على مثله من الأغنياء حتى أنه ربما خدمه بنفسه وأعانه بحمل حاجته جبرا لقلبه وتقربا بذلك إلى ربه.

وكان لا يسأم ممن يستفتيه أو يسأله بل يقبل عليه ببشاشة وجه ولين عريكة ويقف معه حتى يكون هو الذي يفارقه كبيرا كان أو صغيرا رجلا أو امرأة حرا أو عبدا عالما أو عاميا حاضرا أو باديا ولا يجبهه ولا يحرجه ولا ينفره بكلام يوحشه بل يجيبه ويفهمه ويعرفه الخطأ من الصواب بلطف وانبساط، وكان يلزم التواضع في حضوره من الناس ومغيبه عنهم في قيامه وقعوده ومشيه ومجلسه ومجلس غيره.

وحكى البزار عن بعض أصحابه قال: ولقد بالغ معي في حال إقامتي بحضرته في التواضع والإكرام – يعني ابن تيمية - حتى إنه لا يذكرني باسمي، بل يلقبني بأحسن الألقاب، وأظهر لي من الأخلاق والمبالغة في التواضع بحيث أنه كان إذا خرجنا من منزله بقصد القراءة يحمل هو بنفسه النسخة ولا يدع أحدا منا يحملها عنه، وكنت أعتذر إليه من ذلك خوفا من سوء الأدب فيقول: لو حملته على رأسي لكان ينبغي، ألا أحمل ما فيه كلام رسول الله صلى الله وعليه وسلم ـ؟

وكان يجلس تحت الكرسي ويدع صد المجلس، حتى إني لأستحي من مجلسه هناك، وأعجب من شدة تواضعه، وكان هذا حاله في التواضع والتنازل والإكرام لكل من يرد عليه أو يصحبه أو يلقاه، حتى أن كل من لقيه يحكي عنه من المبالغة في التواضع نحو مما حكيته وأكثر من ذلك، فسبحان من وفقه وأعطاه وأجراه على خلال الخير وحباه) (١).


(١) ((الأعلام العلية) للبزار (ص ٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>