للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أهمية الوفاء بالعهد:]

(الوفاء أخو الصدق والعدل، والغدر أخو الكذب والجور وذلك أن الوفاء صدق اللسان والفعل معاً، والغدر كذب بهما لأن فيه مع الكذب نقض العهد.

والوفاء يختص بالإنسان فمن فقد فيه فقد انسلخ من الإنسانية كالصدق، وقد جعل الله تعالى العهد من الإيمان وصيره قواماً لأمور الناس، فالناس مضطرون إلى التعاون ولا يتم تعاونهم إلا بمراعاة العهد والوفاء، ولولا ذلك لتنافرت القلوب وارتفع التعايش، ولذلك عظم الله تعالى أمره فقال تعالى: وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ [البقرة:٤٠] وقال تعالى: وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ [النحل: ٩١]) (١).

(والصدق في الوعد وفي العهد من الفضائل الخلقية التي يتحلى بها المؤمنون، والكذب في الوعد وفي العهد من الرزائل الخلقية التي يجتنبها المؤمنون ... ويشترك الوعد والعهد بأن كلا منهما إخبار بأمر جزم المخبر بأن يفعله، ويفترقان بأن العهد يزيد على الوعد بالتوثيق الذي يقدمه صاحب العهد، من أيمان مؤكدة. والمواعدة مشاركة في الوعد بين فريقين، والمعاهدة مشاركة في العهد بين فريقين، فيعد كل من الفريقين المتواعدين صاحبه بما سيفعل، ويعاهد كل من الفريقين المتعاهدين صاحبه بما سيفعل) (٢).

(وقد وصف القرآن الذين يوفون بالعهد بأحسن الصفات فقال: وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة: ١٧٧] وقال: بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ [آل عمران: ٧١] ونقض الميثاق يؤدي إلى سوء السلوك والأخلاق، قال تعالى: فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ [المائدة: ١٣] ومع هذه الأخلاق المتراكمة كظلمات بعضها فوق بعض يأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يقابل ذلك بحسن الخلق والصبر والتحمل: فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [المائدة: ١٣] ما أروع هذا القرآن كيف يربي الرجال. واستمراراً لورود العهد والميثاق في مجال بناء الأمة على الأخلاق السامية يأمر الله عباده على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم بعدد من الوصايا التي تكون جيلا ذا خلق رفيع، ثم يختم تلك الوصايا الخالدة بقوله سبحانه وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [الأنعام: ١٥٢] فالوفاء بالعهد ضمانة لأداء تلك الأوامر واجتناب ما ورد من نواهي ومن ثم يكون الانقياد والطاعة وحسن الخلق، وإخلاف العهد نقض للعهد، ينحط بصاحبه إلى أسوأ البشر أخلاقا – وبخاصة إذا كان العهد مع الله – فإن المتصف بتلك الصفة ينتقل من مجتمع الصادقين المتقين إلى تجمع المخادعين الكاذبين من المنافقين فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ [التوبة:٧٧]) (٣).


(١) ((الذريعة إلى مكارم الشريعة)) (ص: ٢٩٢).
(٢) ((الأخلاق الإسلامية)) لعبد الرحمن الميداني (١/ ٥٠١).
(٣) ((العهد والميثاق في القرآن الكريم)) لناصر العمر (ص: ١٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>