للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[نماذج من حلم النبي صلى الله عليه وسلم:]

لقد بلغ النبي صلى الله عليه وسلم غاية الحلم والعفو وأن السنة النبوية حافلة بمواقف الرسول الكريم في الحلم ومن ذلك قصة الأعرابي الذي جبذ النبي صلى الله عليه وسلم بردائه جبذة شديدة، فعن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: ((كنت أمشي مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وعليه برد نجرانيّ غليظ الحاشية فأدركه أعرابيّ فجبذه بردائه جبذة شديدة، حتّى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد أثّرت بها حاشية البرد من شدّة جبذته ثمّ قال: يا محمّد مر لي من مال الله الّذي عندك، فالتفت إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ ضحك ثمّ أمر له بعطاء)) (١).

وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: ((إنّ رجلا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يتقاضاه فأغلظ، فهمّ به أصحابه فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: دعوه فإنّ لصاحب الحقّ مقالا. ثمّ قال: أعطوه سنّا مثل سنّه، قالوا: يا رسول الله، إلّا أمثل من سنّه، فقال: أعطوه، فإنّ من خيركم أحسنكم قضاء)) (٢).

وعن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: ((كأنّي أنظر إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يحكي: نبيّا من الأنبياء ضربه قومه فأدموه، فهو يمسح الدّم عن وجهه ويقول: ربّ اغفر لقومي فإنّهم لا يعلمون)) (٣).

قال النووي (فيه ما كانوا عليه صلوات الله وسلامه عليهم من الحلم والتصبر والعفو والشفقة على قومهم ودعائهم لهم بالهداية والغفران وعذرهم في جنايتهم على أنفسهم بأنهم لا يعلمون وهذا النبي المشار إليه من المتقدمين وقد جرى لنبينا صلى الله عليه وسلم مثل هذا يوم أحد) (٤).

وعن أنس رضي الله عنه قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقاً، فأرسلني يوماً لحاجة فقلت: والله! لا أذهب وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال: فخرجت حتى أمر على صبيان وهم يلعبون في السوق، فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قابض بقفاي من ورائي، فنظرت إليه وهو يضحك فقال: يا أنيس اذهب حيث أمرتك، قلت: نعم أنا أذهب يا رسول الله، قال أنس: والله لقد خدمته سبع سنين أو تسع سنين ما علمت قال لشيء صنعت: لم فعلت كذا وكذا؟ ولا لشيء تركت: هلا فعلت كذا وكذا)) (٥).

((وعن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّها قالت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: هل أتى عليك يوم كان أشدّ من يوم أحد؟. قال: لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشدّ ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلّا وأنا بقرن الثّعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلّتني فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال: إنّ الله قد سمع قول قومك لك وما ردّوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. فناداني ملك الجبال فسلّم عليّ ثمّ قال: يا محمّد فقال: ذلك فيما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا)) (٦).


(١) رواه البخاري (٣١٤٩) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
(٢) رواه البخاري (٢٣٠٦) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٣) رواه البخاري (٣٤٧٧) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
(٤) ((شرح النووي على مسلم)) (١٢/ ١٥٠).
(٥) رواه مسلم (٢٣١٠) من حديث أنس رضي الله عنه.
(٦) رواه البخاري (٣٢٣١) ومسلم (١٧٩٥) من عائشة رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>