للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أسباب الوقوع في الذل]

١. استمراء المعاصي وتسويف التوبة:

قال تعالى: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ [آل عمران: ١١٢].

قال أبو حيان الأندلسي: (لما ذكر تعالى حلول العقوبة بهم من ضرب الذلة والمسكنة والمباءة بالغضب، بين علة ذلك، فبدأ بأعظم الأسباب في ذلك، وهو كفرهم بآيات الله. ثم ثنى بما يتلو ذلك في العظم وهو قتل الأنبياء، ثم أعقب ذلك بما يكون من المعاصي، وما يتعدى من الظلم) (١).

وقال الحسن البصري: (أما والله لئن تدقدقت بهم الهماليج ووطئت الرحال أعقابهم، إن ذل المعاصي لفي قلوبهم ولقد أبى الله أن يعصيه عبد إلا أذله) (٢).

٢. الإشراك بالله تعالى والابتداع في الدين:

قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ [الأعراف: ١٥٢].

قال الطبري: (يقول تعالى ذكره: إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ إلهًا سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ، بتعجيل الله لهم ذلك وذلة وهي الهوان، لعقوبة الله إياهم على كفرهم بربهم في الحياة الدنيا، في عاجل الدنيا قبل آجل الآخرة) (٣).

وقال الشاطبي: (كل من ابتدع في دين الله، فهو ذليل حقير بسبب بدعته، وإن ظهر لبادي الرأي عزه وجبروته، فهم في أنفسهم أذلاء. وأيضا فإن الذلة الحاضرة بين أيدينا موجودة في غالب الأحوال، ألا ترى أحوال المبتدعة في زمان التابعين، وفيما بعد ذلك؟ حتى تلبسوا بالسلاطين، ولاذوا بأهل الدنيا، ومن لم يقدر على ذلك; استخفى ببدعته، وهرب بها عن مخالطة الجمهور، وعمل بأعمالها على التقية) (٤).

٣. محاربة الله ورسوله ومخالفة أمرهما:

قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ [المجادلة: ٢٠].

قال ابن كثير: (يقول تعالى مخبرا عن الكفار المعاندين المحادين لله ورسوله، يعني: الذين هم في حد والشرع في حد، أي: مجانبون للحق مشاقون له، هم في ناحية والهدى في ناحية، أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ أي: في الأشقياء المبعدين المطرودين عن الصواب، الأذلين في الدنيا والآخرة) (٥).

وقال الشوكاني: (أولئك في الأذلين أي: أولئك المحادون لله ورسوله، المتصفون بتلك الصفات المتقدمة، من جملة من أذله الله من الأمم السابقة واللاحقة لأنهم لما حادوا الله ورسوله صاروا من الذل بهذا المكان قال عطاء: يريد الذل في الدنيا والخزي في الآخرة) (٦).

٤. النفاق والاعتزاز بغير الله سبحانه وتعالى:

قال تعالى: يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ [المنافقون: ٨].


(١) [٣٥٩٩])) ((البحر المحيط في التفسير)) لأبي حيان الأندلسي (١/ ٣٨٤)
(٢) [٣٦٠٠])) ((حلية الأولياء)) أبو نعيم (٢/ ١٥٢)
(٣) [٣٦٠١])) ((جامع البيان في تأويل القرآن)) للطبري (١٣/ ١٣٤)
(٤) [٣٦٠٢])) ((الاعتصام)) للشاطبي (١/ ١٦٧)
(٥) [٣٦٠٣])) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (٨/ ٥٣)
(٦) [٣٦٠٤])) ((فتح القدير)) للشوكاني (٥/ ٢٣٠)

<<  <  ج: ص:  >  >>