للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الكلاباذي: (قال الله عز وجل لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ [المنافقون: ٨]، فكان الأذل هو الأعز عند نفسه بكثرة أتباعه وكثرة أنصاره .. ، فالذلة هي التعزز بمن لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا، ولا يملك موتا ولا حياة ولا نشورا، فهو كما قال الله عز وجل ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ [الحج: ٧٣] .. ، فلا أذل ممن رد إلى نفسه الأمارة بالسوء، وانفرد في متابعة هواه، وظلمة رأيه، وانقطع عمن له العزة، فإن العزة لله، ولرسوله، وللمؤمنين .. فيجوز أن يكون الذلة التي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتعوذ منها متابعة الهوى في دين الله عز وجل، والتعزز بما دون الله تعالى) (١).

٥. الكبر والأنفة عن قبول الحق:

قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صورة الرجال، يغشاهم الذل من كل مكان)) (٢).

قال ابن القيم: (من تعاظم وتكبر ودعا الناس إلى إطرائه في المدح والتعظيم والخضوع والرجاء، وتعليق القلب به خوفا ورجاء والتجاء واستعانة، فقد تشبه بالله ونازعه في ربوبيته وإلهيته، وهو حقيق بأن يهينه غاية الهوان، ويذله غاية الذل، ويجعله تحت أقدام خلقه) (٣).

٦. اتباع الهوى:

قال تعالى: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ [الجاثية: ٢٣].

قال ابن تيمية: (من قهره هواه ذل وهان وهلك وباد) (٤). وقال ابن القيم: (لكل عبد بداية ونهاية فمن كانت بدايته اتباع الهوى كانت نهايته الذل والصغار والحرمان والبلاء المتبوع بحسب ما اتبع من هواه بل يصير له ذلك في نهايته عذابا يعذب به في قلبه) (٥).

وقال ابن القيم أيضاً: (تجد في المتبع لهواه - من ذل النفس ووضاعتها ومهانتها وخستها وحقارتها ما جعله الله سبحانه فيمن حصاه ... وقد جعل الله سبحانه العز قرين طاعته، والذل قرين معصيته) (٦). وقال أبوسعيد الخادمي: (من غلب عليه الهوى يغلب عليه الهوان والذلة فيصير مستقبحا ومستنكرا؛ ولأنه أسير وشأن الأسير مهان على كل حال لعل ذلك إنما هو عند التعمق وعند تجرده لتلذذ النفس كما يقال إن الإصرار على المباحات قد ينقلب صغيرة وإلا فبالنية الحميدة يكون المباح حسنة مثابا به) (٧).

٧. مفارقة جماعة المسلمين:

قال الله تعالى: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء: ١١٥].


(١) [٣٦٠٥])) ((معاني الأخبار)) للكلاباذي (١/ ١٣٦) بتصرف يسير
(٢) [٣٦٠٦])) رواه الترمذي (٢٤٩٢)، وأحمد (٢/ ١٧٩) (٦٦٧٧) والبخاري في ((الأدب المفرد)) (٥٥٧). من حديث جد عمرو بن شعيب رضي الله عنه. قال الترمذي: حسن صحيح، وصححه ابن مفلح في ((الآداب الشرعية)) (٣/ ٥٢١)، وصحح إسناده أحمد شاكر في تحقيق ((مسند أحمد)) (١٠/ ١٥٧)، وحسنه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)).
(٣) [٣٦٠٧])) ((الداء والدواء)) لابن القيم (ص ١٣٧)
(٤) [٣٦٠٨])) ((غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب)) للسفاريني (٢/ ٤٥٨)
(٥) [٣٦٠٩])) ((روضة المحبين ونزهة المشتاقين)) لابن القيم (١/ ٤٨٣)
(٦) [٣٦١٠])) ((الجواب الكافي)) لابن القيم (١/ ١٧٩ - ١٨٠)
(٧) [٣٦١١])) ((بريقة محمودية)) لأبي سعيد الخادمي (٢/ ٧٦)

<<  <  ج: ص:  >  >>