(لقد مكن الله عز وجل لذي القرنين في الأرض، وآتاه من كل شيء سبباً، فتوفرت القدرة والسلطة، وتهيأت أمامه أسباب القوة والنفوذ التي لم تتوفر لكثير غيره .. وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا [الكهف:٨٣ - ٨٤]، ومع ذلك لم يستغن ذو القرنين عن معونة الآخرين حينما أراد أن يقوم بعمل كبير، وإنجاز عظيم: حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا [الكهف: ٩٣ - ٩٤]، فصارحهم ذو القرنين بأن مثل هذا العمل الضخم يحتاج إلى التعاون، ولا يتم دونه؛ فقال: مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا [الكهف: ٩٥] ... الآيات، فماذا كانت نتيجة هذا التعاون العظيم؟ كانت نتيجته إتمام عمل عظيم، سد منيع، لا يستطيع مهاجموه أن يعلو ظهره، ولا أن يحدثوا فيه خرقاً .. والدرس الذي نخرج به أن التعاون إذا أخلص له أهلوه، وبذلوا فيه بصدق ما استطاعوا حقق لهم من النتائج ما يكفي ويشفي)(١).
(١) ((الرائد دروس في التربية والدعوة))، لمازن عبدالكريم الفريح (١/ ٢٢٨ - ٢٢٩).