للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفرق بين البخل والشح]

اختلف أهل العلم في البخل والشح, هل هما مترادفان أم لكل واحد منهما معنى غير معنى الآخر, وقد بين الإمام الطيبي رحمه الله أن الفرق بينهما عسير جداً (١) وسنعرض هنا بعضاً من أقوال العلماء في الفرق بينهما:

- يرى ابن مسعود رضي الله عنه أن البخل هو البخل بما في اليد من مال أما الشح فهو أن يأكل المرء مال الآخرين بغير حق, فقد قال له رجل: إني أخاف أن أكون قد هلكت قال: وما ذاك قال: إني سمعت الله يقول: وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر: ٩] وأنا رجل شحيح لا يكاد يخرج مني شيء, فقال له ابن مسعود رضي الله عنه: ليس ذاك بالشح ولكنه البخل ولا خير في البخل وإن الشح الذي ذكره الله في القرآن أن تأكل مال أخيك ظلماً (٢).

- وفرق ابن عمر بين الشح والبخل فقال: ليس الشحيح أن يمنع الرجل ماله ولكنه البخل وإنه لشر إنما الشح أن تطمح عين الرجل إلى ما ليس له (٣).

- وقيل أنهما مترادفان لهما نفس المعنى (٤).

- (وقيل: البخل الامتناع من إخراج ما حصل عندك. والشح: الحرص على تحصيل ما ليس عندك) (٥).

- وقيل: (الْبُخْلُ مَنْعُ الْوَاجِبِ، وَالشُّحُّ مَنْعُ الْمُسْتَحَبِّ) (٦). وهؤلاء قالوا أن منع المستحب لا يمكن أن يكون بخلاً لعدة أمور:

- أحدها: أن الآية دالة على الوعيد الشديد في البخل، والوعيد لا يليق إلا بالواجب.

- وثانيها: أنه تعالى ذم البخل وعابه، ومنع التطوع لا يجوز أن يذم فاعله وأن يعاب به.

- وثالثها: وهو أنه تعالى لا ينفك عن ترك التفضل لأنه لا نهاية لمقدوراته في التفضل، وكل ما يدخل في الوجود فهو متناه، فيكون لا محالة تاركاً التفضل، فلو كان ترك التفضل بخلاً لزم أن يكون الله تعالى موصوفاً بالبخل لا محالة، تعالى الله عز وجل عنه علواً كبيراً.

- ورابعها: قال عليه الصلاة والسلام: ((وأي داء أدوأ من البخل)) (٧) ومعلوم أن تارك التطوع لا يليق به هذا الوصف.

- وخامسها: أنه لو كان تارك التفضل بخيلا لوجب فيمن يملك المال كله العظيم أن لا يتخلص من البخل إلا بإخراج الكل.

- وسادسها: أنه تعالى قال: وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ [البقرة: ٣] وكلمة من للتبعيض، فكان المراد من هذه الآية: الذين ينفقون بعض ما رزقهم الله، ثم إنه تعالى قال في صفتهم: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [البقرة: ٥] فوصفهم بالهدى والفلاح، ولو كان تارك التطوع بخيلا مذموما لما صح ذلك. فثبت بهذه الآية أن البخل عبارة عن ترك الواجب (٨).

- وقيل: (البخل هو المنع من مال نفسه والشح هو بخل الرجل من مال غيره ... )

- وقيل: (البخل ترك الإيثار عند الحاجة) (٩).


(١) ((التحرير والتنوير)) لابن عاشور (٢٨/ ٩٤).
(٢) رواه ابن أبي شيبة (٩/ ٩٨)، والطبراني (٩/ ٢١٨) (٩٠٨٠)، والحاكم (٢/ ٥٣٢)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (٧/ ٤٢٦) (١٠٨٤١). قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٧/ ١٢٥): رواه الطبراني عن شيخه عبدالله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم وهو ضعيف.
(٣) ذكره البغوي في ((تفسيره)) (٨/ ٧٨)، والسيوطي في ((الدر المنثور)) (٨/ ١٠٧ - ١٠٨) وعزاه إلى عبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه.
(٤) ((أحكام القرآن)) لابن العربي (١/ ٣٩٦).
(٥) ((تفسير القرطبي)) (٤/ ٢٩٣).
(٦) ((أحكام القرآن)) لابن العربي (١/ ٣٩٦).
(٧) جزء من حديث رواه البخاري (٤٣٨٣). من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما.
(٨) ((مفاتيح الغيب)) (٩/ ٤٤٤).
(٩) ((التعريفات)) (ص٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>