للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الرسول صلى الله عليه وسلم إمام الصادقين:]

(الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، كان أصدق الناس وأبرهم وأكملهم علما وعملا وإيمانا وإيقانا، معروفًا بالصدق في قومه، لا يشك في ذلك أحد منهم بحيث لا يُدْعى بينهم إلا بالأمين محمد؛ ولهذا لما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان عن تلك المسائل التي سألها من صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان فيما قال له: أو كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قال: لا. فقال: هرقل فما كان ليَدع الكذب على الناس ويذهب فيكذب على الله عز وجل (١)) (٢). وكانت حياته صلى الله عليه وسلم (أفضل مثال للإنسان الكامل الذي اتخذ من الصدق في القول والأمانة في المعاملة خطا ثابتا لا يحيد عنه قيد أنملة، وقد كان ذلك فيه بمثابة السجية والطبع فعرف بذلك حتى قبل البعثة، وكان لذلك يلقب بالصادق الأمين، واشتهر بهذا وعرف به بين أقرانه، وقد اتخذ صلى الله عليه وسلم من الصدق الذي اشتهر به بين أهله وعشيرته مدخلا إلى المجاهرة بالدعوة، إذ إنه لما نزل قوله تعالى: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ [الشعراء: ٢١٤] جمع أهله وسألهم عن مدى تصديقهم له إذا أخبرهم بأمر من الأمور، فأجابوا بما عرفوا عنه قائلين: ما جربنا عليك إلا صدقا، روى ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: ((لما نزلت وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ... [الشعراء: ٢١٤] صعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا فجعل ينادي: يا بني فهر، يا بني عدي لبطون قريش حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش، فقال: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟ قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقا. قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فقال أبو لهب: تبا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟ فنزلت تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ [المسد: ١ - ٢])) (٣).

وقد كان الصدق من خصائص أقواله صلى الله عليه وسلم، يقول صاحب (جلاء الأفهام) ما خلاصته: لقد كان صلى الله عليه وسلم محفوظ اللسان من تحريف في قول واسترسال في خبر يكون إلى الكذب منسوبا وللصدق مجانبا ..

وكانت قريش كلها تعرف عنه ذلك، ولو حفظوا عليه كذبة نادرة في غير الرسالة لجعلوها دليلا على تكذيبه في الرسالة، ومن لزم الصدق في صغره كان له في الكبر ألزم، ومن عصم منه في حق نفسه كان في حقوق الله أعصم وبعد البعثة المباركة كان تصديق الوحي له مدعاة لأن يطلق عليه أصحابه (الصادق المصدوق) وصدق الله عز وجل إذ قال: مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى [النجم: ١ - ٤]) (٤).


(١) رواه البخاري (٧)، ومسلم (١٧٧٣).
(٢) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (٤/ ٦٠٥).
(٣) رواه البخاري (٤٧٧٠).
(٤) ((نضرة النعيم)) لمجموعة من المؤلفين (٦/ ٢٤٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>