للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[قصص في اليأس والقنوط]

إذا استحكم اليأس والقنوط من زوال البلاء عجزت النفوس وضاقت السبل وضاعت الحيل حتى تعجز الأقدام عن حمل أصحابها ومن تلك القصص:

١ - قصة نبي الله يعقوب عليه السلام:

فقصة نبي الله يعقوب عند فقد ابنه يوسف عليهما الصلاة والسلام درس عظيم في ترك اليأس وحسن الظن بالله والصبر على البلاء ورجاء الفرج من الله في عدة مواضع منها:

- عندما جاءه نعي أحب أولاده إليه يوسف عليه الصلاة والسلام وهذا أعظم المصائب على قلب الأب لم يفقد صوابه وقابل قدر الله النازل بالصبر والاستعانة والحلم والاستكانة بالله سبحانه في رفعه. قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ [يوسف: ١٨]

- ولما عظمت المصيبة بفقد ابنه الثاني ازداد صبره وعظم رجاؤه في الفرج من الله سبحانه فقال لأبنائه قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [يوسف: ٨٣].

- حين عوتب في تذكر يوسف عليه الصلاة والسلام بعد طول الزمان وانقطاع الأمل وحصول اليأس في رجوعه قال بلسان المؤمن الواثق في وعد الله برفع البلاء عن الصابرين وإجابة دعوة المضطرين قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [يوسف: ٨٦].

- وأخذ بالأسباب في السعي والبحث عن يوسف وأخيه فقال لأبنائه: يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف: ٨٧].

- فكانت العاقبة لمن صبر وأمل ورضي ولم يتسخط قال تعالى: فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ من عند الحبيب مبشراً باللقاء القريب أَلْقَاهُ قميص يوسف عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا فرجع البصر وبلغ الأمل وزال الكرب وحصل الثواب لمن صبر ورضي وأناب قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [يوسف: ٩٦].

٢ - ذكر التنوخي بسنده عن: (عبيد الله بن سليمان، يقول في وزارته: قال: لي أبي: كنت يوما في حبس محمد بن عبد الملك الزيات، في خلافة الواثق، آيس ما كنت من الفرج، وأشد محنة وغما، حتى وردت علي رقعة أخي الحسن بن وهب، وفيها شعر له:

محن أبا أيوب أنت محلها ... فإذا جزعت من الخطوب فمن لها

إن الذي عقد الذي انعقدت به ... عقد المكاره فيك يحسن حلها

فاصبر فإن الله يعقب فرجة ... ولعلها أن تنجلي ولعلها

وعسى تكون قريبة من حيث لا ... ترجو وتمحو عن جديدك ذلها

قال: فتفاءلت بذلك، وقويت نفسي، فكتبت إليه:

صبرتني ووعظتني وأنالها ... وستنجلي بل لا أقول لعلها

ويحلها من كان صاحب عقدها ... ثقة به إذ كان يملك حلها

قال: فلم أصل العتمة ذلك اليوم، حتى أطلقت، فصليتها في داري، ولم يمض يومي ذاك، حتى فرج الله عني، وأطلقت من حبسي، وروي أن هاتين الرقعتين وقعتا بيد الواثق، الرسالة والجواب، فأمر بإطلاق سليمان، وقال والله، لا تركت في حبسي من يرجو الفرج، ولا سيما من خدمني، فأطلقه على كره من ابن الجراح الزيات لذلك) (١).

٣ - من يائس من تعلم علم النحو إلى إمام فيه:

قال الشيخ ابن عثيمين: (قد حدثني شيخنا المثابر عبد الرحمن السعدي - رحمه الله - أنه ذكر عن الكسائي إمام أهل الكوفة في النحو أنه طلب النحو فلم يتمكن، وفي يوم من الأيام وجد نملة تحمل طعاماً لها وتصعد به إلى الجدار وكلما صعدت سقطت، ولكنها ثابرت حتى تخلصت من هذه العقبة وصعدت الجدار، فقال الكسائي: هذه النملة ثابرت حتى وصلت الغاية، فثابر حتى صار إماماً في النحو، فينبغي أن نثابر ولا نيأس فإن اليأس معناه سد باب الخير، وينبغي لنا ألا نتشاءم بل نتفاءل وأن نعد أنفسنا خيراً) (٢).


(١) ((الفرج بعد الشدة)) للتنوخي (١/ ١٨٦ - ١٨٨).
(٢) ([٥٠٢٣]) انظر: ((كتاب العلم)) لابن عثيمين (٢٦/ ١٢١_ ١٢٢) بتصرف يسير.

<<  <  ج: ص:  >  >>