للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الأسباب التي تعين على التواضع]

١ - (تقوى الله:

وهذا من أول الأمور والأسباب التي تعين المرء على التواضع، وتردعه عن أخلاق أهل السفه والكبر.

لأن التقوى وقاية من كل ما يغضب الله تعالى، وفعل جميع الطاعات التي أمر الله تعالى بها، فالكبر كبيرة من الكبائر ولا يتصف بها أهل التقوى، والتواضع من محاسن الأخلاق وحتماً ولابد أنه يكون في أهل التقوى.

وهذا شيء يجب أن يكون مركوزاً في فطرة كل إنسان، وخاصة إذا كان بالمرء تيه وعجب، عليه أن يعلم أن الأيام دول، يوم لك ويوم عليك، فلا ينبغي للعاقل أن يفرح بدنيا أقبلت عليه ومن ثم يشمخ بها، ويتعالى بنعم الله على عباد الله والله يقول: وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:١٤٠] فمن تذكر دائماً هذه السنة الكونية خضع لإخوانه ولعامة الناس، وخفض جناحه لهم، لأنه ربما تقلبت به الدنيا، فيذل بعد أن كان عزيزاً، ويفتقر بعد أن كان غنياً، ويعلو عنه من كان يترفع عليه، فلم الكبر والتيه والعجب؟!

قال تعالى: تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ ولا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص: ٨٣].

٢ - عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به:

مما لا شك فيه أن المرء يحب أن يتواضع له الناس، ويخفضوا جناحهم له، ويعاملوه برفق ولين، ويبغض من ناحية أخرى، من يغلظ له، ومن يتكبر عليه بأي صورة من الصور.

ولو كان المرء جراباً حشي كبراً لتألم وتأفف أيضاً ممن يتكبر عليه، فلم الكيل بمكيالين؟!!

٣ - التفكر في أصل الإنسان (١):

إذا عرف الإنسان نفسه، علم أنه أذل من كل ذليل، ويكفيه نظرة في أصل وجوده بعد العدم من تراب، ثم من نطفة خرجت من مخرج البول، ثم من علقة، ثم من مضغة، فقد صار شيئاً مذكوراً، بعد أن كان لا يسمع ولا يبصر، ولا يغني شيئاً، فقد ابتدأ بموته قبل حياته، وبضعفه قبل قوته، وبفقره قبل غناه.

وقد أشار الله – سبحانه وتعالى – إلى هذا بقوله:

مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ [عبس: ١٨ - ١٩].

ثم امتن عليه بقوله: ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ [عبس: ٢٠].

وبقوله: فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا [الإنسان: ٢].

لقد أحياه الله بعد موت، وأحسن تصويره، وأخرجه إلى الدنيا، فأشبعه وأرواه، وكساه وهداه، وقواه.

فمن هذا بدايته، فأي وجه لتكبره وفخره وخيلائه؟!

قال ابن حبان رحمه الله:

وكيف لا يتواضع من خلق من نطفة مذرة، وآخره يعود إلى جيفة قذرة، وهو بينهما يحمل العذرة. اهـ (٢)

٤ - معرفة الإنسان قدره:

قال تعالى: وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً [الإسراء: ٣٧].

قال العلامة الشنقيطي:

أي أنت أيها المتكبر المختال: ضعيف حقير عاجز محصور بين جمادين أنت عاجز عن التأثير فيها، فالأرض التي تحتك لا تقدر أن تؤثر فيها بشدة وطئك عليها، والجبال الشامخة فوقك لا يبلغ طولك طولها، فاعرف قدرك، ولا تتكبر، ولا تمش في الأرض مرحاً. اهـ (٣)

٥ - تذكر الأمراض والأوجاع والمصائب:

وما أجمل التواضع واللين!!

فلو رأيت أهل البلاء بشتى صنوفهم للمست التواضع يعلو وجوههم وأبدانهم!

انظر إلى من غله المرض، واستوثق منه الوجع، وهده الألم، انظر إليه إذا جاء الزائر يزوره! وطالع محياه، فسترى فاقة وكسرة وحاجة إلى كل إنسان!

فهو يأنس بهذا! ويشد على يد هذا! ويطلب الدعاء من آخر! ويتشوف إلى رنين الهاتف فلربما سمع كلمة تشد من أزره أو ربما سعد بدعوة مجابة أو ... أليس في هذا الحال درس لكل من اختال يوماً، أو تطاول حيناً، أو تكبر زمناً؟!

بلى والله.

وما قيل هنا، يقال في أهل المصائب كافة، فلماذا التجمل بالتواضع عند الضر، والافتخار والمباهاة والأشر والكبر عند الرخاء والنعمة في العلن والسر؟!

٦ - تطهير القلب:

القلب إذا صلح صلح العمل كله بإذن الله تعالى فعلى من أراد اكتساب خلق التواضع أن يطهر قلبه من الأمراض التي عصفت به من حقد وحسد وعجب وغرور لأن القلب هو موطن هذه الأمراض كلها) (٤).


(١) ((التواضع في ضوء القرآن والسنة الصحيحة)) (ص: ٣١، ٣٢) سليم الهلالي، دار ابن القيم، الدمام.
(٢) ((روضة العقلاء ونزهة الفضلاء)) (ص: ٦١).
(٣) ((أضواء البيان)) (٣/ ٥٩٢).
(٤) ((دروس إيمانية في الأخلاق الإسلامية)) (ص ٥٧) لخميس السعيد - بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>