للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الوسائل المعينة على اكتساب صفة المداراة]

١. التحلي بخلق الصبر:

قال ابن تيمية: (المؤمن مشروع له مع القدرة أن يقيم دين الله بحسب الإمكان بالمحاربة وغيرها ومع العجز يمسك عما عجز عنه من الانتصار ويصبر على ما يصيبه من البلاء من غير منافقة، بل يشرع له من المداراة ومن التكلم بما يكره عليه ما جعل الله له فرجا ومخرجا) (١).

٢. النظر للمصالح المترتبة على المداراة (٢).

٣. التحلي بخلق الرفق والرحمة.

فإن المداراة قائمة على الرفق لتحقيق المراد من صلاح معوج أو كفاية شر عدو ونحوه (٣).

٤. فهم الواقع ومعرفة طبائع الناس.

قال ابن الجوزي: (لينظر المالك في طبع المملوك، فمنهم: من لا يأتي إلا على الإكرام، فليكرمه، فإنه يربح محبته. ومنهم: من لا يأتي إلا على الإهانة، فليداره، وليعرض عن الذنوب؛ فإن لم يكن، عاتب بلطف، وليحذر العقوبة ما أمكن. وليجعل للمماليك زمن راحة. والعجب من يعني بدابته، وينسى مداراة جاريته) (٤).

قال بشر بن الحارث: (من عرف الناس استراح) (٥).

٥. احتساب الأجر في دعوة الخلق:

من يتصدر لدعوة العصاة وأهل الشرور والكفر لابد أن يناله منهم أذى مما قد يدفع الداعية لترك دعوتهم لذا فاحتساب الداعية للأجر عند الله في مداراته لأهل الكفر والفجور والتحبب لهم من غير إقرار بمعصية أملا في هدايتهم مما يعين الداعية على تحمل الأذى.

٦. تقديم ترك الانتصار للنفس في حال القدرة وحفظ النفس في حال العجز:

في الحالة الأولى استبقاءا ً للود والمسير قدما في الإصلاح وفي الحالة الثانية عصمة النفس ودفع الشرور.

قصص في المداراة:

- عن المسور بن مخرمة، قال: ((قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبية ولم يعط مخرمة شيئا، فقال مخرمة: يا بني انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلقت معه، فقال: ادخل فادعه لي، قال: فدعوته له، فخرج إليه وعليه قباء منها، فقال: خبأت هذا لك قال: فنظر إليه، فقال: رضي مخرمة)) (٦).

- وشكا رجل إلى مخلد بن الحسين رجلا من أهل الكوفة فقال: (أين أنت عن المداراة , فإني أداري حتى أدارى، هذه جارية حبشية تغربل شعير الفرس له , ثم قال: ما تكلمت بكلمة أريد أن أعتذر منها منذ خمسين سنة) (٧).

- وقال ابن الأزرق – كان -: (الأمير شمس المعالي كان من محاسن الدنيا وبهجتها غير أنه كان شديد السطوة وما زال على هذا الخلق حتى استوحشت النفوس منه وانقلبت القلوب عنه فأجمع أعيان عسكره على خلعه ونزع الأيدي عن طاعته فوافق هذا التدبير منهم غيبته عن جرمان بلده فلم يشعر بذلك ولم يخبر حتى قصدوه وأرادوا القبض عليه فحامى عنه بعض من كان في صحبته من خواصه فنهبوا فيله وأمواله ورجعوا إلى جرجان فملكوها وبعثوا إلى ولده أبي منصور وقهروه على الوصول إليهم لعقد البيعة له فأسرع في الحضور فلما وصل إليهم أجمعوا على طاعته وخلع أبيه فلم يسعه في تلك الحال إلا المداراة والإجابة خوفا على خروج الملك عن بيتهم ولما رأى الأمير شمس المعالي تلك الحال توجه إلى ناحية بسطام بمن معه من الخواص لينظر ما يستقر عليه الأمر فلما سمع الخارجون عليه انحيازه إلى تلك الجهة حملوا ولده متوجهين قصده وإزعاجه عن مكانه فسار معهم مضطرا فلما وصل إلى أبيه اجتمع به وتباكيا وتشاكيا وغرض الولد أن يكون حجابا بينه وبين أعدائه ولو ذهبت نفسه فيه ورأى الوالد أن ذلك لا يجدي وأنه أحق بالملك من بعده فسلم المملكة) (٨).

- قال ابن الجوزي: (كنت قد رزقت قلبا طيبا، ومناجاة خلو، فأحضرني بعض أرباب المناصب إلى طعامه، فما أمكن خلافه، فتناولت، وأكلت منه؛ فلقيت الشدائد، ورأيت العقوبة في الحال، واستمرت مدة، وغضبت على قلبي، وفقدت كل ما كنت أجده، فقلت: وا عجبا! لقد كنت في هذا كالمكره فتفكرت، وإذا به قد يمكن مداراة الأمر بلقيمات يسيرة؛ وإنما التأويل جعل تناول هذا الطعام بشهوة أكثر مما يدفع بالمداراة، فقالت النفس: ومن أين لي أن عين هذا الطعام حرام؟! فقالت اليقظة: وأين الورع عن الشبهات؟! فلما تناولت بالتأويل لقمة، واستجلبتها بالطبع، لقيت الأمرين بفقد القلب: فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ) (٩).


(١) ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (٦/ ٥٢٨).
(٢) انظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (١٠/ ٤٥٣).
(٣) انظر: ((مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح))، للملا علي القاري (٧/ ٢٩٤١)
(٤) ((صيد الخاطر)) لابن الجوزي (ص ٢٥٦).
(٥) ((قوت القلوب)) لأبي طالب المكي (٢/ ٢٣٩)
(٦) رواه البخاري (٥٨٠٠)، ومسلم (١٠٥٨).
(٧) ((حلية الأولياء)) لأبي نعيم (٨/ ٢٦٦)
(٨) ((بدائع السلك في طبائع الملك))، لابن الأزرق (١/ ٤٥٧).
(٩) ((صيد الخاطر)) لابن الجوزي (ص ٤١٠ - ٤١١)

<<  <  ج: ص:  >  >>