للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[نماذج من حياء السلف:]

الأمثلة من حياء السلف كثيرة، ونذكر منها على سبيل المثال بعض النماذج:

- عن الشعبي، قال: سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه امرأة تقول:

دعتني النفس بعد خروج عمرو ... إلى اللذات تطلع اطلاعا

فقلت لها عجلت فلن تطاعي ... ولو طالت إقامته رباعا

أحاذر أن أطيعك سب نفسي ... ومخزاة تحللني قناعا

فقال لها عمر: (ما الذي منعك من ذلك؟ قالت: الحياء وإكرام روحي فقال عمر: إن في الحياء لهنات ذات ألوان من استحيى اختفى ومن اختفى اتقى ومن اتقى وقي) (١).

- وقال محمد بن الفضل: (ما خطوت أربعين سنة خطوة لغير الله عز وجل، وما نظرت أربعين سنة في شيء أستحسنه حياء من الله عز وجل، وما أمليت على ملكي ثلاثين سنة شيئاً، ولو فعلت ذلك لاستحييت منهما) (٢).

- وقال الجراح الحكمي: تركت الذنوب حياء أربعين سنة، ثم أدركني الورع (٣).

- وروي أن عمرو بن عتبة بن فرقد كان يصلي ذات ليلة فسمعوا صوت الأسد فهرب من كان حوله، وهو قائم يصلي فلم ينصرف، فقالوا له: أما خفت الأسد؟ فقال: إني لأستحي من الله أن أخاف شيئاً سواه (٤).

- وقال جعفر الصانع: كان في جيران أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رجل ممن يمارس المعاصي والقاذورات فجاء يوماً إلى مجلس أحمد يسلم عليه فكأن أحمد لم يرد عليه رداً تاماً وانقبض منه فقال له: يا أبا عبد الله! لم تنقبض مني؟ فإني قد انتقلت عما كنت تعهدني برؤيا رأيتها قال: وأي شيء رأيت؟ قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم كأنه على علو من الأرض وناس كثير أسفل جلوس قال: فيقوم رجل رجل منهم إليه فيقول: ادع لي! فيدعو له حتى لم يبق من القوم غيري قال: فأردت أن أقوم فاستحييت من قبيح ما كنت عليه قال لي: يا فلان! لم لا تقوم إلي فتسألني أدعو لك؟ قال: قلت: يا رسول الله! يقطعني الحياء لقبيح ما أنا عليه فقال: إن كان يقطعك الحياء فقم فسلني أدع لك فإنك لا تسب أحداً من أصحابي قال: فقمت فدعا لي فانتبهت وقد بغض الله إلي ما كنت عليه قال: فقال لنا أبو عبد الله: يا جعفر! يا فلان حدثوا بهذا واحفظوه فإنه ينفع (٥).

- وكان الربيع بن خثيم من شدة غضه لبصره وإطراقه يظن بعض الناس أنه أعمى، وكان يختلف إلى منزل ابن مسعود عشرين سنة فإذا رأته جاريته قالت لابن مسعود: صديقك الأعمى قد جاء، فكان يضحك ابن مسعود من قولها، وكان إذا دق الباب تخرج الجارية إليه فتراه مطرقاً غاضاً بصره. (٦)

- ولما احتُضر الأسود بن يزيد بكى، فقيل له: ما هذا الجزع؟ قال: ما لي لا أجزعُ؟ ومَنْ أحق مني بذلك؟ والله لو أُتيت بالمغفرة من الله لأهمني الحياء منه ممَّا قد صنعت، وإن الرجل ليكون بينه وبين الرجل الذَّنْبَ الصغير، فيعفو عنه، ولا يزال مستحييًا منه (٧).

الحياء في واحة الشعر ..

قال الشاعر:

إذا لم تخشَ عاقبة الليالي ... ولم تستحي فاصنع ما تشاءُ

يعيش المرء ما استحيا بخيرٍ ... ويبقى العود ما بقي اللحاءُ

وما في أن يعيش المرء خيرٌ ... إذا ما الوجه فارقه الحياءُ

وقال أمية بن أبي الصلت يمدح ابن جدعان بالحياء:

أأذكر حاجتي أم قد كفاني ... حياؤك؟ إن شيمتك الحياءُ

وعلمك بالأمور وأنت قِرْمٌ ... لك الحسب المؤثَّلُ والثناءُ

وقالت ليلى الأخيلية تصف توبة بن الحُمَيِّر:

فإن تكن القتلى بواءً فإنكم ... فتىً ما قتلتم آل عوف بن عامرِ


(١) [١٠٣٨]- ((محاسبة النفس)) لابن أبي الدنيا (ص١١٣).
(٢) [١٠٣٩]- ((صفة الصفوة)) (٢/ ٣٤٢).
(٣) [١٠٤٠]- ((سير أعلام النبلاء)) (٥/ ١٩٠).
(٤) [١٠٤١]- ((حلية الأولياء)) (٢/ ٤٠).
(٥) [١٠٤٢]- ((التوابين)) لابن قدامة (ص١٥٢).
(٦) [١٠٤٣]- ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (١/ ١٨١)
(٧) [١٠٤٤]- ((حلية الأولياء)) (٢/ ١٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>