للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[شروط المروءة]

للمروءة شروط لا تتأتى إلا بها, ولا يحصلها الشخص إلا إذا تتبعها وتقمصها وطبقها في واقعه ومحيطه, وتطبيقها ليس بالسهل الهين الذي يستطيعه كل الناس بل فيها من الشروط ما يحتاج إلى كثير معاناة ومصابرة حتى يتطبع عليه الشخص ويصبح سجية سهلة تأتي بلا كلفة ولا مشقة, يقول الإمام الماوردي رحمه الله: مِن حُقُوقِ المُرُوءَةِ وَشُرُوطِهَا مَا لَا يَتَوَصَّلُ إلَيهِ إلَّا بِالمُعَانَاةِ وَلَا يُوقَفُ عَلَيهِ إلَّا بِالتَّفَقُّدِ وَالمُرَاعَاةِ. فَثَبُتَ أَنَّ مُرَاعَاةَ النَّفسِ عَلَى أَفضَلِ أَحوَالِهَا هِيَ المُرُوءَةُ.

وَإِذَا كَانَت كَذَلِكَ فَلَيسَ يَنقَادُ لَهَا مَعَ ثِقَلِ كُلَفِهَا إلَّا مَن تَسَهَّلَت عَلَيهِ المَشَاقُّ رَغبَةً فِي الحَمدِ، وَهَانَت عَلَيهِ المَلَاذُ حَذَرًا مِن الذَّمِّ (١).

وقد عدد بعض البلغاء بعض شروط المروءة فقال: من شرائط المروءة أن تعف عن الحرام، وتتصلف عن الآثام، وتنصف في الحكم، وتكف عن الظلم، ولا تطمع في ما لا تستحق، ولا تستطيل على من لا تسترق، ولا تعين قوياً على ضعيف، ولا تؤثر دنياً على شريف، ولا تسر ما يعقب الوزر والإثم، ولا تفعل ما يقبح الذكر والاسم (٢).

ومن أفضل من تكلم عن شروط المروءة وأحسن في سرد تقاسيمها والإتيان بحقوقها الإمام الماوردي في كتابه أدب الدنيا والدين, وقد فصل فيها تفصيلاً وافياً فأجاد رحمه الله في ذلك, ولعلنا نلخص ونرتب ما ذكره الإمام الماوردي من هذه الشروط:

١. الأول شروط المروءةِ فِي نفسِ الشخص: وشروطهَا فِي نفسِهِ بعد التِزامِ ما أوجبه الشّرع مِن أحكامِهِ يكون بِثلاثةِ أمورٍ وهِي:

- العِفّة: وهي نوعان:

أحدهما العِفّة عن المحارِمِ: وهذه تكون بشيئين اثنين:

أحدهما ضبط الفرجِ عن الحرامِ.

والثّانِي كفّ اللِّسانِ عن الأعراضِ.

والثَّانِي العِفَّة عن المآثِمِ: وهذه أيضاً لا تكون إلا بشيئين:

أَحدهما: الكفُّ عن المجاهرةِ بِالظُّلمِ.

والثَّانِي: زجر النَّفسِ عن الإِسرارِ بِخِيانةٍ.

- النَّزاهة: وهي نوعانِ:

أَحدهما: النَّزاهة عن المطامِعِ الدَّنِيَّةِ.

والثَّانِي النَّزاهة عن مواقِفِ الرِّيبةِ.

- الصِّيانة: وهي نوعانِ:

أَحدهما: صِيانة النّفسِ بِالتِماسِ كِفايتِها وتقدِيرِ مادَّتِها.

والثَّانِي: صِيانتها عن تحمّلِ المِننِ مِن النَّاسِ والِاستِرسالِ فِي الِاستِعانةِ.

٢. والثَّانِي: شروط المروءة في غيرِهِ وتكون بثلاثة أمور وهي:

- المؤازرة: وهي نوعانِ:

أَحدهما: الإِسعاف بِالجاهِ.

والثَّانِي الإِسعاف فِي النّوائِبِ.

- والمياسرة وهي نوعانِ:

أَحدهما: العفو عن الهفواتِ.

والثَّانِي: المسامحة فِي الحقوقِ وهي نوعان:

المسامحة فِي عقودٍ: بأَن يكون فِيها سهل المناجزةِ، قلِيل المحاجزةِ مأمون الغيبةِ بعِيدًا مِن المكرِ والخدِيعةِ.

المسامحة في حقوقٍ: وتتنوَّع المسامحة فِيها نوعينِ:

أ - أَحدهما فِي الأَحوالِ: وهو اطراح المنازعةِ فِي الرّتبِ وترك المنافسةِ فِي التّقدُّمِ.

ب - والثَّانِي فِي الأَموالِ: وهي ثلاثة أنواع: وهي مسامحة إسقاطٍ لِعدمٍ، ومسامحة تخفِيفٍ لِعجزٍ، ومسامحة إنكارٍ لِعسرةٍ.

- والإِفضال: وهو نوعانِ:

إفضال اصطِناعٍ: وهو نوعان:

أَحدهما: ما أَسداه جودًا فِي شكورٍ

والثَّانِي: ما تأَلَّف بِهِ نبوة نفورٍ.

وإِفضال استِكفافٍ ودِفاعٍ: وذلك لِأَنَّ ذا الفضلِ لا يعدم حاسِد نِعمةٍ ومعانِد فضِيلةٍ يعترِيهِ الجهل بِإِظهارِ عِنادِهِ، ويبعثه اللُّؤم على البذاءِ بِسفهِهِ فإِن غفل عن استِكفافِ السّفهاءِ، وأَعرَض عن استِدفاعِ أَهلِ البذاءِ، صار عِرضه هدفًا لِلمثالِبِ، وحاله عرضةً لِلنَّوَائِبِ، وإِذَا استكفى السَّفِيه واستدفع البذِيء صان عرضه وحمى نِعمته. ولِاستِكفافِ السُّفهاءِ بِالإِفضالِ شرطانِ:

أَحدهما: أَن يخفِيه حتَّى لا ينتشِر فِيهِ مطامِع السُّفهاءِ فيتوصَّلون إلى اجتِذابِهِ بِسبِّهِ، وإِلى مالِهِ بِثلبِهِ.

والثَّانِي: أَن يتطلَّب له فِي المجاملةِ وجهًا ويجعله فِي الإِفضالِ عليهِ سببًا؛ لِأَنَّه لا يرى أَنَّه على السَّفهِ واستِدامةِ البذاءِ. (٣).


(١) ((أدب الدنيا والدين)) (ص٣٢٦).
(٢) ((تسهيل النظر وتعجيل الظفر في أخلاق الملك)) (ص٢٩).
(٣) ((أدب الدنيا والدين)) بتصرف (ص٣٢٩ - ٣٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>