للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[صور الإسراف ومظاهره]

لا شك أن الإسراف تتعدد صوره ومظاهره وهو يقع في أمور كثيرة كالمأكل والمشرب، والملبس، والمركب، والمسكن، وغيرها، ومن هذه الصور:

١ - الإسراف على الأنفس في المعاصي والآثام، قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ [الزمر: ٥٣].

قال القاسمي: (أي جنوا عليها بالإسراف في المعاصي والكفر ... لا تيأسوا من مغفرته بفعل سبب يمحو أثر الإسراف إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً [الزمر: ٥٣] أي لمن تاب وآمن. فإن الإسلام يجبّ ما قبله إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ [الزمر: ٥٣ - ٥٤] أي: توبوا إليه وَأَسْلِمُوا لَهُ أي استسلموا وانقادوا له. وذلك بعبادته وحده وطاعته وحده، بفعل ما أمر به واجتناب ما نهى عنه) (١).

٢ - الإسراف في الأكل والشبع المفرط:

وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسراف في تناول الطعام فقال: ((ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن، حسب الآدمي، لقيمات يقمن صلبه، فإن غلبت الآدمي نفسه، فثلث للطعام، وثلث للشراب، وثلث للنفس)) (٢).

قال القرطبي: (من الإسراف الأكل بعد الشبع. وكل ذلك محظور. وقال لقمان لابنه: يا بني لا تأكل شبعا فوق شبع، فإنك أن تنبذه للكلب خير من أن تأكله) (٣).

وقال ابن القيم: (العدل وهو الأخذ بالوسط الموضوع بين طرفي الإفراط والتفريط وعليه بناء مصالح الدنيا والآخرة بل لا تقوم مصلحة البدن إلا به فإنه متى خرج بعض أخلاطه عن العدل وجاوزه أو نقص عنه ذهب من صحته وقوته بحسب ذلك وكذلك الأفعال الطبيعية كالنوم والسهر والأكل والشرب والجماع والحركة والرياضة والخلوة والمخالطة وغير ذلك إذا كانت وسطا بين الطرفين المذمومين كانت عدلا وإن انحرفت إلى أحدهما كانت نقصا وأثمرت نقصا) (٤).

٣ - الإسراف في الوضوء:

عن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بسعد، وهو يتوضأ، فقال: ((ما هذا السرف فقال: أفي الوضوء إسراف، قال: نعم، وإن كنت على نهر جار)) (٥).

قال ابن القيم: (وكان – أي النبي صلى الله عليه وسلم - من أيسر الناس صبا لماء الوضوء وكان يحذر أمته من الإسراف فيه وأخبر أنه يكون في أمته من يعتدي في الطهور) (٦).

وعن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يجزئ من الوضوء مد، ومن الغسل صاع، فقال رجل: لا يجزئنا، فقال: قد كان يجزئ من هو خير منك، وأكثر شعرا، يعني النبي صلى الله عليه وسلم)) (٧).

٤ - الإسراف في المرافق العامة:

والإسراف في المرافق العامة مذموم أيضاً كالإسراف في الماء والكهرباء، ويعتبر من إضاعة المال قال صلى الله عليه وسلم ((إن الله كره لكم ثلاثا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال)) (٨).

قال المناوي: (إضاعة المال): هو صرفه في غير وجوهه الشرعية وتعريضه للتلف وسبب النهي أنه إفساد والله لا يحب المفسدين ولأنه إذا أضاع ماله تعرض لما في أيدي الناس (٩).


(١) ((محاسن التأويل)) للقاسمي (٨/ ٢٩٣).
(٢) رواه ابن ماجه (٣٣٤٩) واللفظ له، والترمذي (٢٣٨٠)، قال الترمذي: حسن صحيح، وحسنه البغوي في ((شرح السنة)) (٧/ ٢٩٣)، وابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (٥/ ١٥) كما ذكر في المقدمة، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (٥٦٧٤).
(٣) ((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (ص٢٤).
(٤) ((الفوائد)) لابن القيم (ص ١٤١).
(٥) رواه ابن ماجه (٤٢٥)، وأحمد في ((المسند)) (٧٠٦٥)، واللفظ لابن ماجه. وصحح إسناده أحمد شاكر في ((مسند أحمد)) (١٢/ ٢٣)، وحسن إسناده الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (٧/ ٨٦٠).
(٦) ((زاد المعاد)) لابن القيم (١/ ١٨٤).
(٧) رواه ابن ماجه (٢٧٠)، وصححه الألباني في ((صحيح ابن ماجه)) (٢١٩)، ورواه أحمد (٢٣/ ٢٢٧) والحاكم (٥٧٥) من حديث جابر بن عبد الله. قال ابن القطان في ((الوهم والإيهام)) (٥/ ٢٧٠): إسناده جيد، وحسنه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (٩٩٩٧).
(٨) رواه البخاري (١٤٧٧) ومسلم (٥٩٣)
(٩) ((فيض القدير)) للمناوي (٧/ ٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>