للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفرق بين الحسد وبعض الصفات]

الفرق بين الحسد والغبطة:

فرق العلماء بين الحسد والغبطة، بأن في الغبطة تمن للحصول على نعمة مثل التي أعجبته، من غير تمن لزوالها عن صاحبها، قال ابن منظور: (الغبط أن يرى المغبوط في حال حسنة، فيتمنى لنفسه مثل تلك الحال الحسنة من غير أن يتمنى زوالها عنه، وإذا سأل الله مثلها فقد انتهى إلى ما أمره به ورضيه له، وأما الحسد فهو أن يشتهي أن يكون له ما للمحسود، وأن يزول عنه ما هو فيه) (١).

وقال الرازي: (إذا أنعم الله على أخيك بنعمة؛ فإن أردت زوالها فهذا هو الحسد، وإن اشتهيت لنفسك مثلها فهذا هو الغبطة) (٢).

وقد تسمى الغبطة حسدا كما جاء في حديث عبد الله بن مسعود، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا فسلط على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها)) (٣). وقد فسر النووي الحسد في الحديث فقال: (هو أن يتمنى مثل النعمة التي على غيره من غير زوالها عن صاحبها) (٤).

الفرق بين الحسد والمنافسة والمسابقة:

قال ابن القيم: (للحسد حد وهو المنافسة في طلب الكمال والأنفة أن يتقدم عليه نظيره، فمتى تعدى ذلك صار بغيا وظلما يتمنى معه زوال النعمة عن المحسود ويحرص على إيذائه) (٥).

وقال الغزالي: (والمنافسة في اللغة مشتقة من النفاسة والذي يدل على إباحة المنافسة قوله تعالى: وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ [المطففين: ٢٦] وقال تعالى: سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ [الحديد: ٢١] وإنما المسابقة عند خوف الفوت؛ وهو كالعبدين يتسابقان إلى خدمة مولاهما، إذ يجزع كل واحد أن يسبقه صاحبه فيحظى عند مولاه بمنزلة لا يحظى هو بها) (٦).

وبيّن الغزالي سبب المنافسة فأرجعها إلى: (إرادة مساواته واللحوق به في النعمة، وليس فيها كراهة النعمة، وكان تحت هذه النعمة أمران؛ أحدهما: راحة المنعم عليه، والآخر: ظهور نقصانه عن غيره وتخلفه عنه، وهو يكره أحد الوجهين، وهو تخلف نفسه ويحب مساواته له. ولا حرج على من يكره تخلف نفسه ونقصانها في المباحات) (٧).

وقد تنافس الصحابة في الخير، وبذلوا أسباب الكمال؛ فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: ((أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً أن نتصدق، فوافق ذلك مالاً عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما، فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك؟ قلت: مثله، قال: وأتى أبو بكر رضي الله عنه بكل ما عنده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله. قلت: لا أسابقك إلى شيء أبدا)) (٨).

ولكن المنافسة في أمور الدنيا تجر غالبا إلى الوقوع في الحسد والأخلاق الذميمة، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا فتحت عليكم فارس والروم أي قوم أنتم؟ فقال عبد الرحمن بن عوف: نقول كما أمرنا الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو غير ذلك؛ تتنافسون ثم تتحاسدون ثم تتدابرون ثم تتباغضون)) (٩). وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((والله لا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم)) (١٠).

وقد نبه على ذلك الرازي فقال: (لكن هاهنا دقيقة؛ وهي أن زوال النقصان عنه بالنسبة إلى الغير له طريقان؛ أحدهما: أن يحصل له مثل ما حصل للغير. والثاني: أن يزول عن الغير ما لم يحصل له. فإذا حصل اليأس عن أحد الطريقين فيكاد القلب لا ينفك عن شهوة الطريق الآخر، فهاهنا إن وجد قلبه بحيث لو قدر على إزالة تلك الفضيلة عن تلك الشخص لأزالها، فهو صاحب الحسد المذموم، وإن كان يجد قلبه بحيث تردعه التقوى عن إزالة تلك النعمة عن الغير فالمرجو من الله تعالى أن يعفو عن ذلك) (١١).

الفرق بين الحسد والعين:

العين نظر باستحسان قد يشوبه شيء من الحسد، ويكون الناظر خبيث الطبع (١٢).


(١) ((لسان العرب)) لابن منظور (٧/ ٣٥٩).
(٢) ((تفسير الرازي)) (٣/ ٦٤٦).
(٣) رواه البخاري (٧٣) ومسلم (٣١٦).
(٤) ((شرح النووي على مسلم)) (٦/ ٩٧).
(٥) ((الفوائد)) (ص١٤٠).
(٦) ((إحياء علوم الدين)) (٣/ ١٩٠).
(٧) ((إحياء علوم الدين)) (٣/ ١٩١).
(٨) رواه أبو داود (١٦٧٨)، والترمذي (٣٦٧٥). وقال: حسن صحيح. وقال الحاكم (١/ ٥٧٤): صحيح على شرط مسلم. وحسنه الألباني في ((تخريج المشكاة)) (٦٠٣٠).
(٩) رواه مسلم (٢٩٦٢).
(١٠) رواه البخاري (٣١٥٨)، ومسلم (٢٩٦١)، واللفظ للبخاري.
(١١) ((تفسير الرازي)) (٣/ ٦٤٧).
(١٢) ((كشف المشكل من حديث الصحيحين)) (٢/ ٤٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>