للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفرق بين الصبر، والتصبر، والاصطبار، والمصابرة، والاحتمال]

(الفرق بين هذه الأسماء بحسب حال العبد في نفسه وحاله مع غيره:

- فإن حبس نفسه ومنعها عن إجابة داعي ما لا يحسن إن كان خلقا له وملكة سمي صبراً.

- وإن كان بتكلف وتمرن وتجرع لمرارته سمي تصبرا.

كما يدل عليه هذا البناء لغة، فإنه موضوع للتكلف كالتحلم والتشجع والتكرم والتحمل ونحوها وإذا تكلفه العبد واستدعاه صار سجية له.

كما في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ومن يتصبر يصبره الله)) (١) وكذلك العبد يتكلف التعفف حتى يصير التعفف له سجية، كذلك سائر الأخلاق ...

- وأما الاصطبار فهو أبلغ من التصبر:

فإنه افتعال للصبر بمنزلة الاكتساب فالتصبر مبدأ الاصطبار، كما أن التكسب مقدمة الاكتساب، فلا يزال التصبر يتكرر حتى يصير اصطباراً.

- وأما المصابرة فهي مقاومة الخصم في ميدان الصبر:

فإنها مفاعلة تستدعي وقوعها بين اثنين كالمشاتمة والمضاربة قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران: ٢٠٠] فأمرهم بالصبر، وهو حال الصابر في نفسه والمصابرة وهي حالة في الصبر مع خصمه والمرابطة وهي الثبات واللزوم والإقامة على الصبر والمصابرة فقد يصبر العبد ولا يصابر، وقد يصابر ولا يرابط، وقد يصبر ويصابر ويرابط من غير تعبد بالتقوى، فأخبر سبحانه أن ملاك ذلك كله التقوى، وأن الفلاح موقوف عليها فقال: وَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران: ٢٠٠] فالمرابطة كما أنها لزوم الثغر الذي يخاف هجوم العدو منه في الظاهر فهي لزوم ثغر القلب لئلا يدخل منه الهوى والشيطان فيزيله عن مملكته) (٢).

والفرق بين الاحتمال والصبر:

(أن الاحتمال للشيء يفيد كظم الغيظ فيه، والصبر على الشدة يفيد حبس النفس عن المقابلة عليه بالقول والفعل، والصبر عن الشيء يفيد حبس النفس عن فعله، وصبرت على خطوب الدهر أي حبست النفس عن الجزع عندها، ولا يستعمل الاحتمال في ذلك لأنك لا تغتاظ منه) (٣).


(١) رواه البخاري (١٤٦٩) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(٢) ((عدة الصابرين)) لابن القيم – بتصرف- (ص ٤١).
(٣) ((الفروق اللغوية)) لأبي هلال العسكري (ص ٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>