للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السبب السابع: الاستهانة بالمسيء لا عن كبر وإعجاب بالنفس، إنما هو نأي عن منافس لا يساويك قدراً، ومن ذلك (أن الأحنف بن قيس شتمه رجل فسكت عنه، وأعاد الرجل فسكت عنه، وأعاد فسكت عنه، فقال الرجل: والهفاه!! ما يمنعه من أن يرد عليَّ إلا هواني عنده) (١).

قال أبو حاتم: أنشدني الكريزي

إذا أنا كافيت الجهول بفعله ... فهل أنا إلا مثله إذ أحاوره؟

ولكن إذا ما طاش بالجهل طائش ... علي، فإني بالتحلم قاهر (٢).

وكان عروة بن الزبير إذا أسرع إليه رجل بشتمٍ أو قولٍ سيئ لم يجبه وقال: إني أتركك رفعاً لنفسي عنك (٣) ..

السبب الثامن: قطع السباب والخصام، قال الأصمعي: (بلغني أن رجلاً قال لآخر: والله لئن قلت واحدةً لتسمعن عشراً، فقال له الآخر: لكنك إن قلت عشراً لم تسمع واحدةً) (٤).

وكان شبيب بن شيبة يقول: (من سمع كلمة يكرهها فسكت عنهم انقطع عنه ما يكره، فإن أجاب عنهم سمع أكثر مما يكره. وكان يتمثل بهذا البيت:

وتجزع نفس المرء من وقع شتمةٍ ... ويشتئم ألفاً بعدها ثم يصبر) (٥).

السبب التاسع: الاستحياء من جزاء الجواب، وكان الأحنف بن قيس يقول: (من لم يصبر على كلمة سمع كلمات، ورب غيظ قد تجرعته مخافة ما هو أشد منه، وأنشد:

رَضيتُ بِبَعْض الذُّلِّ خوفَ جميعه ... كذلك بعضُ الشر أهونُ من بَعْض (٦)

السبب العاشر: الرعاية ليدٍ سالفة، وحرمة لازمة، وهذا من الوفاء، وحُسنِ العهد، وكمال المروءة، عن حفص بن غياث قال: (كنت جالساً عند جعفر بن محمد، ورجل يشكو رجلا عنده، قال لي كذا، وفعل لي كذا، فقال له جعفر: من أكرمك فأكرمه، ومن استخف بك فأكرم نفسك عنه) (٧) (٨).

قال الشاعر:

إن الوفاء على الكريم فريضة ... واللؤم مقرون بذي الإخلافِ

وترى الكريم لمن يعاشر منصفاً ... وترى اللئيم مجانب الإنصافِ ...


(١) ((عيون الأخبار)) لابن قتيبة (١/ ٢٨٣).
(٢) ((روضة العقلاء)) لابن حبان البستي (٢١٠)
(٣) ((عيون الأخبار)) لابن قتيبة (١/ ٢٨٧).
(٤) ((عيون الأخبار)) لابن قتيبة (١/ ٢٨٥).
(٥) ((عيون الأخبار)) لابن قتيبة (١/ ٢٨٥).
(٦) ((العقد الفريد)) (٢/ ٢٧٩).
(٧) ((روضة العقلاء)) لابن حبان البستي (٢١٣)
(٨) بعض هذه الأسباب مستفادة من كتاب ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي. بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>