للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال السفاريني: (نص الإمام - أحمد – رضي الله عنه: ينبغي للمؤمن أن يكون رجاؤه وخوفه واحدا. فأيهما غلب صاحبه هلك. وهذا هو العدل، ولهذا من غلب عليه حال الخوف أوقعه في نوع من اليأس والقنوط، إما في نفسه، وإما في أمور الناس، ومن غلب عليه حال الرجاء بلا خوف أوقعه في نوع من الأمن لمكر الله، إما في نفسه وإما في الناس) (١).

٥ - الإيمان بالقضاء والقدر:

إذا علم المرء وأيقن أن كل ما حصل له هو بقضاء الله وقدره يستريح قلبه ولم ييأس لفوات شيء قال تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحديد: ٢٢].

وقال سبحانه: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [التغابن: ١١].

قال ابن القيم: (إذا جرى على العبد مقدور يكرهه فله فيه ستة مشاهد أحدها مشهد التوحيد وأن الله هو الذي قدره وشاءه وخلقه وما شاء الله كان وما لم يشاء لم يكن الثاني مشهد العدل وأنه ماض فيه حكمه عدل فيه قضاؤه الثالث مشهد الرحمة وأن رحمته في هذا المقدور غالبه لغضبه وانتقامه ورحمته حشوه الرابع مشهد الحكمة وأن حكمته سبحانه اقتضت ذلك لم يقدره سدى ولا قضاه عبثا الخامس مشهد الحمد وأن له سبحانه الحمد التام على ذلك من جميع وجوهه السادس مشهد العبودية وأنه عبد محض من كل وجه تجري عليه أحكام سيده وأقضيته بحكم كونه ملكه وعبده فيصرفه تحت أحكامه القدرية كما يصرفه تحت أحكامه الدينية فهو محل لجريان هذه الأحكام عليه) (٢).

٦ - الصبر عند حدوث البلاء:

وذلك أن الله سبحانه ذم اليائسين من رحمته عند حصول البلاء واستثنى من الذم الصابرين على البلاء وجعل لهم الثواب العظيم.

فقال تعالى: وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ [هود: ٩ - ١١].

ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تمني الموت بسبب البلاء فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يتمنين أحدكم الموت لضرر أصابه. فإن كان لا بد فاعلا، فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي)) (٣).

٧ - الدعاء مع الإيقان بالإجابة:

قال تعالى عن نبيه يعقوب عليه السلام لما عوتب في تذكر يوسف عليه الصلاة والسلام بعد طول الزمان وانقطاع الأمل وحصول اليأس في رجوعه قال بلسان المؤمن الواثق في وعد الله برفع البلاء عن الصابرين وإجابة دعوة المضطرين قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [يوسف: ٨٦].

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه)) (٤).


(١) ((غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب)) للسفاريني (١/ ٤٦٢).
(٢) ((الفوائد)) لابن القيم (١/ ٣٢).
(٣) رواه البخاري (٥٦٧١)، ومسلم (٥٦٨٠). واللفظ للبخاري.
(٤) رواه الترمذي (٣٤٧٩)، وأحمد (٢/ ١٧٧) (٦٦٥٥). قال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وقال الحاكم (١/ ٦٧٠): إسناده مستقيم. وصحح إسناده أحمد شاكر في ((تخريج المسند)) (٦٦٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>