للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الداعية عليه أن يرفق في دعوته، فيشفق على الناس ولا يشق عليهم، ولا ينفرهم من الدين بأسلوبه الغليظ والعنيف، (وأولى الناس بالتخلق بخلق الرفق الدعاة إلى الله والمعلمون، فالدعوة إلى الله لا تؤثر ما لم تقترن بخلق الرفق في دعوة الخلق إلى الحق، وتعليم الناس لا يؤتي ثمراته الطيبات ما لم يقترن بخلق الرفق الذي يملك القلوب بالمحبة) (١). قال تعالى: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل: ١٢٥].

فيدعو بالحكمة والموعظة الحسنة، ويتلطف مع العاصي بكلام ليِّن وبرفق ولا يعين الشيطان عليه، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (إذا رأيتم أخاكم قارف ذنباً فلا تكونوا أعواناً للشيطان عليه، تقولوا: اللهم أخزه، اللهم العنه، ولكن سلوا الله العافية، فإنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كنا نقول في أحد شيئاً حتى نعلم علام يموت؟ فإن ختم له بخير علمنا أن قد أصاب خيراً، وإن ختم بشر خفنا عليه) (٢).

وانظر إلى رفق إبراهيم عليه السلام مع أبيه قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا [مريم: ٤٧].

قال الشنقيطي: (بين الله جل وعلا في هاتين الآيتين الكريمتين أن إبراهيم لما نصح أباه النصيحة المذكورة مع ما فيها من الرفق واللين وإيضاح الحق والتحذير من عبادة ما لا يسمع ولا يبصر ومن عذاب الله تعالى وولاية الشيطان خاطبه هذا الخطاب العنيف وسماه باسمه ولم يقل له يا بني في مقابلة قوله له يا أبت وأنكر عليه أنه راغب عن عبادة الأوثان أي معرض عنها لا يريدها لأنه لا يعبد إلا الله وحده جل وعلا وهدده جل وعلا وهدده بأنه إن لم ينته عما يقوله له ليرجمنه قيل بالحجارة وقيل باللسان شتما والأول أظهر ثم أمره بهجره مليا أي زمانا طويلا ثم بين أن إبراهيم قابل أيضا جوابه العنيف بغاية الرفق واللين في قوله: قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي ... [مريم: ٤٧]) (٣).

٥ - الرفق بالخادم والمملوك:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول لله صلى الله عليه وسلم: ((للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق)) (٤).

قال الشنقيطي: (فأوجب على مالكيهم الرفق والإحسان إليهم، وأن يطعموهم مما يطعمون، ويكسوهم مما يلبسون، ولا يكلفوهم من العمل ما لا يطيقون، وإن كلفوهم أعانوهم; كما هو معروف في السنة الواردة عنه صلى الله عليه وسلم مع الإيصاء عليهم في القرآن) (٥).

٦ - الرفق بالحيوان:

فمن الرفق بالحيوان أن تدفع عنه أنواع الأذى كالعطش والجوع والمرض والحمل الثقيل، فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

- ((بينا رجل يمشي، فاشتد عليه العطش، فنزل بئرا، فشرب منها، ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال: لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي، فملأ خفه، ثم أمسكه بفيه، ثم رقي، فسقى الكلب، فشكر الله له، فغفر له، قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجرا؟ قال: في كل كبد رطبة أجر)) (٦).

- وعن سعيد بن جبير قال: ((مر ابن عمر بفتيان من قريش قد نصبوا طيراً وهم يرمونه وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم فلما رأوا ابن عمر تفرقوا فقال ابن عمر من فعل هذا لعن الله من فعل هذا إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعن من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا)) (٧).


(١) ((الأخلاق الإسلامية)) لعبد الرحمن الميداني (٢/ ٣٤٠).
(٢) رواه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (٩/ ١١٠) (٨٥٧٤)، وابن المبارك في ((الزهد)) (١/ ٣١٣) (٨٩٦)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (٤/ ٢٠٥)، والبغوي في ((شرح السنة)) (١٣/ ١٣٧). قال الهيثمي في ((المجمع)) (٦/ ٢٥٠): رجاله ثقات، إلا أن عبيدة لم يسمع من أبيه.
(٣) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (٣/ ٤٢٧).
(٤) رواه مسلم (١٦٦٢).
(٥) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (٣/ ٣٠).
(٦) رواه البخاري (٢٣٦٣).
(٧) رواه مسلم (١٩٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>