للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢٠ - أن يشهد أن صبره حكم منه على نفسه، وقهر لها وغلبة لها، فمتى كانت النفس مقهورة معه مغلوبة، لم تطمع في استرقاقه وأسره وإلقائه في المهالك، ومتى كان مطيعا لها سامعا منها مقهورا معها، لم تزل به حتى تهلكه، أو تتداركه رحمة من ربه.

٢١ - أن يعلم أنه إن صبر فالله ناصره ولابد، فالله وكيل من صبر، وأحال ظالمه على الله، ومن انتصر لنفسه وكله الله إلى نفسه، فكان هو الناصر لها.

٢٢ - أن صبره على من آذاه واحتماله له يوجب رجوع خصمه عن ظلمه، وندامته واعتذاره، ولوم الناس له، فيعود بعد إيذائه له مستحييا منه نادما على ما فعله، بل يصير مواليا له.

٢٣ - ربما كان انتقامه ومقابلته سببا لزيادة شر خصمه، وقوة نفسه، وفكرته في أنواع الأذى التي يوصلها إليه، كما هو المشاهد. فإذا صبر وعفا أمن من هذا الضرر، والعاقل لا يختار أعظم الضررين بدفع أدناهما.

٢٤ - أن من اعتاد الانتقام ولم يصبر لابد أن يقع في الظلم، فإن النفس لا تقتصر على قدر العدل الواجب لها، لا علما ولا إرادة، وربما عجزت عن الاقتصار على قدر الحق، فإن الغضب يخرج بصاحبه إلى حد لا يعقل ما يقول ويفعل، فبينما هو مظلوم ينتظر النصر والعز، إذ انقلب ظالما ينتظر المقت والعقوبة.

٢٥ - أن هذه المظلمة التي ظلمها هي سبب إما لتكفير سيئته، أو رفع درجته، فإذا انتقم ولم يصبر لم تكن مكفرة لسيئته ولا رافعة لدرجته.

٢٦ - أن عفوه وصبره من أكبر الجند له على خصمه، فإن من صبر وعفا كان صبره وعفوه موجبا لذل عدوه وخوفه وخشيته منه ومن الناس، فإن الناس لا يسكتون عن خصمه، وإن سكت هو، فإذا انتقم زال ذلك كله.

٢٧ - أنه إذا عفا عن خصمه استشعرت نفس خصمه أنه فوقه، وأنه قد ربح عليه، فلا يزال يرى نفسه دونه.

٢٨ - أنه إذا عفا وصفح كانت هذه حسنة، فتولد له حسنة أخرى، وتلك الأخرى تولد له أخرى، وهلم جرا) (١).


(١) من ١١ إلى ٢٨، ملخص من كتاب ((جامع المسائل)) لابن تيمية (١/ ١٦٨ - ١٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>