للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال محمد الغزالي: (إن الإسلام يكره لك أن تكون متردداً في أمورك تحار في اختيار أصوبها وأسلمها وتكثر الهواجس في رأسك فتخلق أمامك جو من الريبة والتوجس فلا تدري كيف تفعل وتضعف قبضتك في الإمساك بما ينفعك فيفلت منك ثم يذهب سدى) (١)، ولهذا شرع لنا الله سبحانه مشاورة أهل الرأي والخبرة من أهل الصلاح قال تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [الأنبياء: ٤٣]، وشرع لنا الرسول الاستخارة (٢)، إعانة للمرء على بلوغ الصواب وبعد المشاورة يكن التنفيذ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ [آل عمران: ١٥٩].

٦ - سوء الظن بالله سبحانه وتعالى واليأس وفقدان الأمل والنظرة التشاؤمية للحياة.

إن فقدان الأمل يقعد الإنسان عن طلب المعالي ليأسه وحكمه على المستقبل بما يعيشه من واقع أليم، قال محمد الغزالي: (عمل الشيطان هو تشييع الماضي بالنحيب والإعوال هو ما يلقيه في النفس من أسى وقنوط على ما فات، إن الرجل لا يلتفت وراءه إلا بمقدار ما ينتفع به في حاضره ومستقبله أما الوقوف مع هزائم الأمس واستعادة أحزانها والتعثر في عقابيلها وتكرار لو، وليت، فليس ذلك من خلق المسلم ... قال تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [آل عمران: ١٥٦] (٣).

وانظر لنبي الله يعقوب لم يمنعه طول الزمان بعد فقدانه ليوسف في الأمل في الله أن يعيده له بل ازداد أمله بعد حبس ابنه الثاني بمصر فقال لأولاده يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف: ٨٧].

٧ - قلة الصبر وعدم الثبات واستطالة الطريق واستعجال النتائج

قلة الصبر وعدم الثبات تحرم الإنسان من بلوغ أي هدف وتحقيق أي كمال وما أخرج آدم عليه الصلاة والسلام من جنة الخلد وجوار الرحمن والعيش الهني والمسكن الطيب إلى شقاء الدنيا وتعبها وهمومها إلا قلة الصبر عما نهاه الله عنه وعدم الثبات على ما أمر به قال تعالى: وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا [طه: ١١٥] (٤).

٨ - صحبة أصحاب العزائم الخاوية والبطالين:

المرء على دين خليله، والناس كأسراب القطا مجبولون على تشبه بعضهم البعض.

الفتور والغفلة:

الغفلة ذهول المرء عن دوره في الحياة وتحقيق العبادة والفتور التقصير فيما ينبغي فعله وهما رأس البلاء ومكمن الداء وإن كانا يبتلى بهما الإنسان كما قال ابن القيم: (لابد من سنة الغفلة ورقاد الغفلة ولكن كن خفيف النوم) (٥) فلا يعني ذلك ترك الواجبات وفعل المحرمات ولهذا قَالَ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- ((إِنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَةً وَلِكُلِّ شِرَةٍ فَتْرَةً فَمَنْ كَانَتْ شِرَتُهُ إِلَى سُنَّتِي فَقَدْ أَفْلَحَ وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ)) (٦).

ومن مظاهر ذلك:

(تضييع الوقت وعدم الإفادة منه، وتزجيته بما لا يعود بالنفع، وتقديم غير المهم على المهم، والشعور بالفراغ الروحي والوقتي وعدم البركة في الأوقات، عدم إنجاز شيئاً من العمل مع طول الزمن

- عدم الاستعداد للالتزام بشيء، والتهرب من كل عمل جدي؛

- الفوضوية في العمل: فلا هدف محدد، ولا عمل متقن، الأعمال ارتجالية، التنقل بين الأعمال بغير داع.

- خداع النفس؛ بالانشغال مع الفراغ، وبالعمل وهي عاطلة، الانشغال بجزئيات لا قيمة لها ولا أثر يذكر، ليس لها أصل في الكتاب أو السنة، وإنما هي أعمال تافهة ومشاريع وهمية لا تسمن ولا تغني من جوع.

النقد لكل عمل إيجابي؛ تنصلا من المشاركة والعمل، وتضخيم الأخطاء والسلبيات؛ تبريرا لعجزه وفتوره، تراه يبحث عن المعاذير، ويصطنع الأسباب؛ للتخلص والفرار وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ [التوبة: ٨١] (٧).


(١) ((خلق المسلم)) محمد الغزالي (٨٨).
(٢) البخاري برقم (١١٠٩) عن ابن مسعود رضي الله عنه)
(٣) ((خلق المسلم)) لمحمد الغزالي (٨٩).
(٤) راجع أقوال المفسرين حول هذه الآية من هذا البحث.
(٥) ((علو الهمة)) للمقدم (ص ٣٣٧).
(٦) رواه أحمد (٢/ ١٨٨) (٦٧٦٤)، وابن حبان (١/ ١٨٧) (١١)، والبزار (٦/ ٣٣٧) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه. وصححه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (٢٤٢٦)، والألباني في ((صحيح الجامع)) (٢١٥٢).
(٧) انظر ((الفتور)) ناصر العمر (١٩ - ٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>