للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(أي: من كان في غُنْية عن مال اليتيم فَلْيستعففْ عنه، ولا يأكل منه شيئا. قال الشعبي: هو عليه كالميتة والدم) (١).

الأمر بالعفة في السنة النبوية:

- عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف)) (٢).

(أي العفة من الزنا. قال الطيبي: إنما آثر هذه الصيغة إيذانا بأن هذه الأمور من الأمور الشاقة التي تفدح الإنسان وتقصم ظهره، لولا أن الله تعالى يعينه عليها لا يقوم بها، وأصعبها العفاف لأنه قمع الشهوة الجبلية المركوزة فيه، وهي مقتضى البهيمية النازلة في أسفل السافلين، فإذا استعف وتداركه عون الله تعالى ترقى إلى منزلة الملائكة وأعلى عليين) (٣).

- وعن عبادة بن الصامت- رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اضمنوا لي ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم)) (٤).

قال ابن عبد البر في شرحه لهذا الحديث: (اضمنوا لي ستا: من الخصال ((من أنفسكم)) بأن تداوموا على فعلها ((أضمن لكم الجنة)) أي دخولها ((اصدقوا إذا حدثتم)) أي لا تكذبوا في شيء من حديثكم إلا إن ترجح على الكذب مصلحة أرجح من مصلحة الصدق في أمر مخصوص كحفظ معصوم ((وأوفوا إذا وعدتم وأدوا إذا ائتمنتم)) (٥). ((إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها)) قال البيهقي ودخل فيه ما تقلد المؤمن بإيمانه من العبادات والأحكام وما عليه من رعاية حق نفسه وزوجه وأصله وفرعه وأخيه المسلم من نصحه وحق مملوكه أو مالكه أو موليه فأداء الأمانة في كل ذلك واجب ((واحفظوا)) أيها الرجال والنساء ((فروجكم)) عن فعل الحرام لثنائه تعالى على فاعليه بقوله وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ [الأحزاب: ٣٥] ((وغضوا أبصاركم)) كفوها عما لا يجوز النظر إليه ((وكفوا أيديكم)) امنعوها من تعاطي ما لا يجوز تعاطيه شرعا فلا تضربوا بها من لا يسوغ ضربه ولا تناولوا بها مأكولا أو مشروبا حراما ونحو ذلك فمن فعل ذلك فقد حصل على رتبة الاستقامة المأمور بها في القرآن وتخلقوا بأخلاق أهل الإيمان) (٦).

- وعن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- أنه قال: ((إن ناسا من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم. حتى إذا نفد ما عنده. قال: ما يكن عندي من خير فلن أدخره عنكم. ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله. ومن يصبر يصبره الله. وما أعطي أحد من عطاء خير وأوسع من الصبر)) (٧).

قال ابن عبد البر: (فيه الحض على التعفف والاستغناء بالله عن عباده والتصبر وأن ذلك أفضل ما أعطيه الإنسان وفي هذا كله نهي عن السؤال وأمر بالقناعة والصبر) (٨).

- وعن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- قال: ((سرحتني أمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيته وقعدت فاستقبلني وقال: من استغنى أغناه الله عز وجل ومن استعف أعفه الله عز وجل ومن استكفى كفاه الله عز وجل ومن سأل وله قيمة أوقية، فقد ألحف فقلت: ناقتي الياقوتة خير من أوقية فرجعت ولم أسأله)) (٩).

- وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: ((اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى)) (١٠).

قال النووي رحمه الله: (أما العفاف والعفة فهو التنزه عما لا يباح والكف عنه والغنى هنا غنى النفس والاستغناء عن الناس وعما في أيديهم) (١١).


(١) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (٢/ ٢١٦).
(٢) رواه الترمذي (١٦٥٥)، والنسائي (٣١٢٠)، وابن ماجه (٢٥١٨). وحسنه الترمذي، والبغوي في ((شرح السنة)) (٥/ ٦)، وصححه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (٣/ ٥).
(٣) ((تحفة الأحوذي)) للمباركفوري (٥/ ٢٩٦).
(٤) رواه أحمد (٥/ ٣٢٣) (٢٢٨٠٩)، وابن حبان (١/ ٥٠٦)، والحاكم (٤/ ٣٩٩). وصحح إسناده الحاكم، وقال الذهبي في ((المهذب)) (٥/ ٢٤٥١): إسناده صالح. وصححه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (١٠٩٥).
(٥) رواه أحمد (٥/ ٣٢٣) (٢٢٨٠٩)، وابن حبان (١/ ٥٠٦)، والحاكم (٤/ ٣٩٩). وصحح إسناده الحاكم، وقال الذهبي في ((المهذب)) (٥/ ٢٤٥١): إسناده صالح. وصححه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (١٠٩٥).
(٦) ((فيض القدير)) للمناوي (١/ ٦٨٣)
(٧) رواه البخاري (١٤٦٩)، ومسلم (١٠٥٣).
(٨) ((التمهيد)) لابن عبد البر (١٠/ ١٣٣).
(٩) رواه النسائي (٢٥٩٥)، وأحمد (٣/ ٩) (١١٠٧٥). وصحح إسناده أحمد شاكر في ((عمدة التفسير)) (١/ ٣٢٩)، وجود إسناده الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (٥/ ٤٠١).
(١٠) رواه مسلم (٢٧٢١).
(١١) ((شرح صحيح مسلم)) للنووي (١٧/ ٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>