للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال السعدي: (قوله: ((وإذا استنصحك فانصح له)) أي: إذا استشارك في عمل من الأعمال: هل يعمله أم لا؟ فانصح له بما تحبه لنفسك. فإن كان العمل نافعاً من كل وجه فحثه على فعله، وإن كان مضراً فحذره منه وإن احتوى على نفع وضرر فاشرح له ذلك، ووازن بين المصالح والمفاسد. وكذلك إذا شاورك على معاملة أحد من الناس أو تزويجه أو التزوج منه فابذل له محض نصيحتك، وأعمل له من الرأي ما تعمله لنفس، وإياك أن تغشه في شيء من ذلك. فمن غش المسلمين فليس منهم، وقد ترك واجب النصيحة. وهذه النصيحة واجبة مطلقاً، ولكنها تتأكد إذا استنصحك وطلب منك الرأي النافع. ولهذا قيده في هذه الحالة التي تتأكد) (١).

- وعن جرير بن عبد الله، قال:)) بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم)) (٢).

قال الخطابي: (جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم النصيحة للمسلمين شرطا في الذي يبايع عليه كالصلاة والزكاة، فلذلك تراه قرنها بهما. فإن قلت: لم اقتصر عليهما ولم يذكر الصوم وغيره؟ قلت: قال القاضي عياض: لدخول ذلك في السمع والطاعة، يعني المذكور، في الرواية الأخرى التي ذكرناها الآن، وقال غيره: إنما اقتصر عليهما لأنهما أهم أركان الدين وأظهرها، وهما العبادات: البدنية والمالية) (٣).

- وعن أبى هريرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال ((المؤمن مرآة المؤمن والمؤمن أخو المؤمن يكف عليه ضيعته ويحوطه من ورائه)) (٤).

قال المناوي: (أي يبصر من نفسه بما لا يراه بدونه ولا ينظر الإنسان في المرآة إلا وجهه ونفسه ولو أنه جهد كل الجهد أن يرى جرم المرآة لا يراه لأن صورة نفسه حاجبة له وقال الطيبي: إن المؤمن في إراءة عيب أخيه إليه كالمرأة المجلوة التي تحكي كل ما ارتسم فيها من الصور ولو كان أدنى شيء فالمؤمن إذا نظر إلى أخيه يستشف من وراء حاله تعريفات وتلويحات فإذا ظهر له منه عيب قادح كافحه فإن رجع صادقه وقال العامري: معناه كن لأخيك كالمرآة تريه محاسن أحواله وتبعثه على الشكر وتمنعه من الكبر وتريه قبائح أموره بلين في خفية تنصحه ولا تفضحه هذا في العامة أما الخواص فمن اجتمع فيه خلائق الإيمان وتكاملت عنده آداب الإسلام ثم تجوهر باطنه عن أخلاق النفس ترقى قلبه إلى ذروة الإحسان فيصير لصفائه كالمرآة إذا نظر إليه المؤمنون رأوا قبائح أحوالهم في صفاء حاله وسوء آدابهم في حسن شمائله) (٥).


(١) ((بهجة قلوب الأبرار)) للسعدي (ص ١١٢).
(٢) رواه البخاري (٥٧)، ومسلم (٥٦).
(٣) ((عمدة القاري)) للعيني (١/ ٣٢٤).
(٤) رواه أبو داود (٤٩١٨)، والبخاري في ((الأدب المفرد)) (٢٣٩)، والبزار (١٤/ ٣٨٥). وحسنه الألباني في ((صحيح الجامع)) (٦٦٥٦).
(٥) ((فيض القدير)) للمناوي (٦/ ٢٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>