للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله؛ فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه)) (١).

٤ - إفشاء أسرار المسلمين:

لقد نهى الشارع الكريم عن إفشاء أسرار المسلمين وأمر بسترها وكتمانها، لما في ذلك من حفظ لأعراضهم، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النور: ١٩]. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة، فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة)) (٢).

صور إفشاء السر المحمود:

١ - أداء الشهادة عند القاضي:

(والشهادة في حد ذاتها هي إخبار بالشيء السري الذي يخفى عن القاضي حقيقته، والمراد من أداء الشهادة: إظهار الأسرار لإثبات الحق في مجلس القضاء، وقد نهى الحق عن كتمان الشهادة: وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ [البقرة:٢٨٣].

وكذلك لا تكون الشهادة إلا بالإخبار القاطع، والإخبار لا يكون قاطعاً إلا بالإخبار التفصيلي، كما هو حاله في الشهادة على الزنا، لابد من ذكر المكان والزمان والكيفية وذكر الفاعل والمفعول به وما إلى ذلك حتى تتوفر فيه الشروط المقررة في حد الزنا. وكذلك في الشهادة على السرقة، لابد من ذكر الكيفية والحرز والمقدار حتى تثبت بشهادتهم أن المشهود عليه قد فعل الجناية المستحقة للعقوبة) (٣).

٢ - الحسبة وإفشاء الأسرار:

إن عمل المحتسب هو البحث عن المنكرات الظاهرة وتغييرها، لكن المنكر إذا كان سراً ولم يظهر أمام الناس فإن هذه المنكرات التي هي سر إذا ظهرت للمحتسب دون تجسس على أعراض الناس، لا يحق له أن يسكت عنها أو يغض الطرف عنها، بل يجب عليه تغييرها وإزالتها.

٣ - إفشاء الأسرار للإخوان لما فيه المصلحة العامة:

كأن يرى أي مصلحة أو فائدة فيها خير يعود نفعها على الإسلام والمسلمين، أو فرصة سانحة يمكن أن تنفذ الدعوة من خلالها إلى ميادين الخير، فالهدهد لما أفشى خبر بلقيس وقومها إلى نبي الله سليمان، كان ذلك باب خير وانتشار للدعوة، وبسبب ذلك دخلت بلقيس وقومها في الإسلام.

وكذلك الرجل الذي نقل خبر فرعون وقومه حينما كانوا يسعون لقتل موسى، فأفشى ذلك السر لموسى، وكان في ذلك نجاة لموسى من القتل بإذن الله. وغيرها من الأمثلة.


(١) رواه البخاري (٦٠٦٩).
(٢) رواه البخاري (٢٤٤٢)، ومسلم (٢٥٨٠).
(٣) ((كتمان السر وإفشاؤه في الفقه الإسلامي)) لشريف بن أدول (ص١١٣ - ١١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>