للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- قال تعالى: وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً [النساء: ١٢٨]

قال الطبري: (اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك. فقال بعضهم: معناه: وأحضرت أنفس النساء الشح على أنصبائهن من أنفس أزواجهن وأموالهم ... وقال آخرون: معنى ذلك: وأحضرت نفس كل واحد من الرجل والمرأة، الشح بحقه قبل صاحبه ... وأولى القولين في ذلك بالصواب، قول من قال: عنى بذلك: أحضرت أنفس النساء الشح بأنصبائهن من أزواجهن في الأيام والنفقة. و"الشح": الإفراط في الحرص على الشيء، وهو في هذا الموضع: إفراط حرص المرأة على نصيبها من أيامها من زوجها ونفقتها. فتأويل الكلام: وأحضرت أنفس النساء أهواءهن، من فرط الحرص على حقوقهن من أزواجهن، والشح بذلك على ضرائرهن) (١).

قال السعدي: (وأحضرت الأنفس الشح أي: جبلت النفوس على الشح، وهو: عدم الرغبة في بذل ما على الإنسان، والحرص على الحق الذي له، فالنفوس مجبولة على ذلك طبعا، أي: فينبغي لكم أن تحرصوا على قلع هذا الخلق الدنيء من نفوسكم، وتستبدلوا به ضده وهو السماحة، وهو بذل الحق الذي عليك؛ والاقتناع ببعض الحق الذي لك. فمتى وفق الإنسان لهذا الخلق الحسن سهل حينئذ عليه الصلح بينه وبين خصمه ومعامله، وتسهلت الطريق للوصول إلى المطلوب. بخلاف من لم يجتهد في إزالة الشح من نفسه، فإنه يعسر عليه الصلح والموافقة، لأنه لا يرضيه إلا جميع ماله، ولا يرضى أن يؤدي ما عليه، فإن كان خصمه مثله اشتد الأمر) (٢).

- وقال تعالى: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر: ٩]

قال الطبري: ("ومن يوق شح نفسه " يقول تعالى ذكره: من وقاه الله شح نفسه (فأولئك هم المفلحون) المخلدون في الجنة ... وأما العلماء فإنهم يرون أن الشح في هذا الموضع إنما هو أكل أموال الناس بغير حق) (٣).

قال ابن كثير: (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ أي: من سلم من الشح فقد أفلح وأنجح) (٤).

قال السعدي: (من رزق الإيثار فقد وقي شح نفسه وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ووقاية شح النفس، يشمل وقايتها الشح، في جميع ما أمر به، فإنه إذا وقي العبد شح نفسه، سمحت نفسه بأوامر الله ورسوله، ففعلها طائعا منقادا، منشرحا بها صدره، وسمحت نفسه بترك ما نهى الله عنه، وإن كان محبوبا للنفس، تدعو إليه، وتطلع إليه، وسمحت نفسه ببذل الأموال في سبيل الله وابتغاء مرضاته، وبذلك يحصل الفلاح والفوز، بخلاف من لم يوق شح نفسه، بل ابتلي بالشح بالخير، الذي هو أصل الشر ومادته) (٥).

ذم البخل والشح والنهي عنهما في السنة النبوية:

- عن أنس بن مالك، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدين، وغلبة الرجال)) (٦).


(١) ((جامع البيان في تأويل القرآن)) للطبري (٩/ ٢٧٩ – ٢٨٢)
(٢) ((تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)) للسعدي (ص ٢٠٦)
(٣) ((جامع البيان في تأويل القرآن)) للطبري (٢٣/ ٢٨٥)
(٤) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (٨/ ٧١)
(٥) ((تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)) للسعدي (ص ٨٥٠)
(٦) رواه البخاري (٦٣٦٩) واللفظ له ومسلم (٢٧٠٦)

<<  <  ج: ص:  >  >>