للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال السعدي: (اعلم أن كل حكم من الأحكام لا يتم ولا يكمل إلا بوجود مقتضيه وانتفاء موانعه، فمن ذلك هذا الحكم الكبير الذي هو الصلح، فذكر تعالى المقتضي لذلك ونبه على أنه خير، والخير كل عاقل يطلبه ويرغب فيه، فإن كان -مع ذلك- قد أمر الله به وحث عليه ازداد المؤمن طلبا له ورغبة فيه. وذكر المانع بقوله: وأحضرت الأنفس الشح أي: جبلت النفوس على الشح، وهو: عدم الرغبة في بذل ما على الإنسان، والحرص على الحق الذي له، فالنفوس مجبولة على ذلك طبعا، أي: فينبغي لكم أن تحرصوا على قلع هذا الخلق الدنيء من نفوسكم، وتستبدلوا به ضده وهو السماحة، وهو بذل الحق الذي عليك؛ والاقتناع ببعض الحق الذي لك. فمتى وفق الإنسان لهذا الخلق الحسن سهل حينئذ عليه الصلح بينه وبين خصمه ومعامله، وتسهلت الطريق للوصول إلى المطلوب. بخلاف من لم يجتهد في إزالة الشح من نفسه، فإنه يعسر عليه الصلح والموافقة، لأنه لا يرضيه إلا جميع ماله، ولا يرضى أن يؤدي ما عليه، فإن كان خصمه مثله اشتد الأمر) (١).

١٥. الشح من صفات المنافقين:

قال تعالى - في وصف المنافقين -: أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا [الأحزاب: ١٩]

قال الطبري: (إن الله وصف هؤلاء المنافقين بالجبن والشح، ولم يخصص وصفهم من معاني الشح، بمعنى دون معنى، فهم كما وصفهم الله به: أشحة على المؤمنين بالغنيمة والخير والنفقة في سبيل الله، على أهل مسكنة المسلمين) (٢).

١٦. الإنسان الشحيح لاخير فيه ولاعنده:

قوله تعالى أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ قال ابن كثير: (وهم مع ذلك أشحة على الخير، أي: ليس فيهم خير، قد جمعوا الجبن والكذب وقلة الخير) (٣).

١٧. الشح أسوأ صفات الإنسان:

قوله تعالى أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ قال السعدي: (أشحة على الخير: الذي يراد منهم، وهذا شر ما في الإنسان، أن يكون شحيحا بما أمر به، شحيحا بماله أن ينفقه في وجهه، شحيحا في بدنه أن يجاهد أعداء الله، أو يدعو إلى سبيل الله، شحيحا بجاهه، شحيحا بعلمه، ونصيحته ورأيه) (٤).

١٨. الشح سبب في الهلاك وفساد المجتمع:

عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إياكم والظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح، فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم)) (٥).

١٩. يوقع الإنسان في كبائر الذنوب:

كما مر في الحديث السابق من حديث جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إياكم والظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح، فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم)) (٦).

٢٠. سبب في الخسران في الدنيا والآخرة:

قال تعالى: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر: ٩]

قال السعدي: (لعل ذلك – الوقاية من الشح - شامل لكل ما أمر به العبد، ونهي عنه، فإنه إن كانت نفسه شحيحة، لا تنقاد لما أمرت به، ولا تخرج ما قبلها، لم يفلح، بل خسر الدنيا والآخرة) (٧)


(١) ((تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)) للسعدي (ص ٢٠٦)
(٢) ((جامع البيان في تفسير القرآن)) للطبري (٢٠/ ٢٣١)
(٣) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (٦/ ٣٩١)
(٤) ((تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)) للسعدي (ص ٦٦٠)
(٥) رواه مسلم (٢٥٧٨)
(٦) رواه مسلم (٢٥٧٨)
(٧) ((تسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)) للسعدي (ص ٨٦٨)

<<  <  ج: ص:  >  >>