للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال السعدي: (ينهى تعالى عن مجادلة أهل الكتاب، إذا كانت من غير بصيرة من المجادل، أو بغير قاعدة مرضية، وأن لا يجادلوا إلا بالتي هي أحسن، بحسن خلق ولطف ولين كلام، ودعوة إلى الحق وتحسينه، ورد عن الباطل وتهجينه، بأقرب طريق موصل لذلك، وأن لا يكون القصد منها مجرد المجادلة والمغالبة وحب العلو، بل يكون القصد بيان الحق وهداية الخلق، إلا من ظلم من أهل الكتاب، بأن ظهر من قصده وحاله، أنه لا إرادة له في الحق، وإنما يجادل على وجه المشاغبة والمغالبة، فهذا لا فائدة في جداله، لأن المقصود منها ضائع) (١).

- وقال تعالى: هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [آل عمران: ٦٦].

قال الطبري: (يعني بذلك جل ثناؤه: ها أنتم: هؤلاء القوم الذين خاصمتم وجادلتم فيما لكم به علم من أمر دينكم الذي وجدتموه في كتبكم، وأتتكم به رسل الله من عنده، وفي غير ذلك مما أوتيتموه، وثبتت عندكم صحته، فلم تحاجون؟ يقول: فلم تجادلون وتخاصمون فيما ليس لكم به علم) (٢).

قال الشوكاني: (وفي الآية دليل على منع الجدال بالباطل، بل ورد الترغيب في ترك الجدال من المحق) (٣).

وقال السعدي: (وقد اشتملت هذه الآيات على النهي عن المحاجة والمجادلة بغير علم، وأن من تكلم بذلك فهو متكلم في أمر لا يمكن منه ولا يسمح له فيه) (٤).

ذم الجدال والمراء في السنة النبوية

- فعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل، ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية: مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ [الزخرف: ٥٨])) (٥).

قال القاري: (والمعنى ما كان ضلالتهم ووقوعهم في الكفر إلا بسبب الجدال وهو الخصومة بالباطل مع نبيهم، وطلب المعجزة منه عناداً أو جحوداً، وقيل: مقابلة الحجة بالحجة، وقيل: المراد هنا العناد، والمراء في القرآن ضرب بعضه ببعض لترويج مذاهبهم وآراء مشايخهم من غير أن يكون لهم نصرة على ما هو الحق، وذلك محرم لا المناظرة لغرض صحيح كإظهار الحق فإنه فرض كفاية) (٦).

وقال المناوي: (أي الجدال المؤدي إلى مراء ووقوع في شك أما التنازع في الأحكام فجائز إجماعاً إنما المحذور جدال لا يرجع إلى علم ولا يقضى فيه بضرس قاطع وليس فيه اتباع للبرهان ولا تأول على النصفة بل يخبط خبط عشواء غير فارق بين حق وباطل) (٧).

وقال البيضاوي: (المراد بهذا الجدل العِناد، والمراء والتعصُّب) (٨).

- وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم)) (٩).

قال الصنعاني: (أي الشديد المراء أي الذي يحج صاحبه) (١٠).


(١) ((تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)) (ص٥٣٣).
(٢) ((جامع البيان في تأويل آي القرآن)) للطبري (٥/ ٤٨٣).
(٣) ((فتح القدير)) للشوكاني (١/ ٤٠١).
(٤) ((تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)) للسعدي (ص١٣٤).
(٥) رواه الترمذي (٣٢٥٣)، وابن ماجه (٤٨)، وأحمد (٥/ ٢٥٢) (٢٢٢١٨). قال الترمذي: حسن صحيح. وحسنه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (٧٩٣٤)، وحسنه الألباني في ((صحيح الجامع)) (٥٦٣٣).
(٦) ((مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) للقاري (١/ ٢٦٥).
(٧) ((فيض القدير)) للمناوي (٣/ ٣٥٤).
(٨) ((قوت المغتذي على جامع الترمذي)) للسيوطي (٢/ ٨٠١).
(٩) رواه البخاري (٢٤٥٧)، ومسلم (٢٦٦٨).
(١٠) ((سبل السلام)) للصنعاني (٢/ ٦٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>