للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الزحيلي: (نهى الله سبحانه المؤمنين عن التمني، لأن فيه تعلق البال ونسيان الأجل. والمراد النهي عن الحسد: وهو تمني زوال نعمة الغير، وصيرورتها إليه أو لا تصير إليه) (١).

ذم الحسد والنهي عنه من السنة النبوية:

- عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا)) (٢).

قال ابن بطال: (وفيه: النهي عن الحسد على النعم، وقد نهى الله عباده المؤمنين عن أن يتمنوا ما فضل الله به بعضهم على بعض وأمرهم أن يسألوه من فضله) (٣).

وقال الباجي: (أن تنافس أخاك في الشيء حتى تحسده عليه فيجر ذلك إلى الطعن والعداوة فذلك الحسد) (٤).

- وعن أبى هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إياكم والحسد، فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب)) (٥).

قال القاري: قال: ("إياكم والحسد" أي: في مال أو جاه دنيوي، فإنه مذموم بخلاف الغبطة في الأمر الأخروي (فإن الحسد) أي: باعتبار ما ينتج في حق المحسود من ارتكاب السيئات (يأكل الحسنات): أي يفني ويذهب طاعات الحاسد (كما تأكل النار الحطب). لأن الحسد يفضي بصاحبه إلى اغتياب المحسود ونحوه، فيذهب حسناته في عرض ذلك المحسود، فيزيد المحسود نعمة على نعمة، والحاسد حسرة على حسرة، فهو كما قال تعالى: خسر الدنيا والآخرة [الحج:١١]) (٦).

وقال المناوي: ("فإن الحسد يأكل الحسنات": أي يذهبها ويحرقها ويمحو أثرها (كما تأكل النار الحطب) أي اليابس لأنه يفضي بصاحبه إلى اغتياب المحسود وشتمه وقد يتلف ماله أو يسعى في سفك دمه وكل ذلك مظالم يقتص منها في الآخرة ويذهب في عوض ذلك حسنات فلا حجة فيه للمعتزلة الزاعمين أن المعاصي تحبط الطاعات) (٧).

وقال العظيم آبادي: ("إياكم والحسد" أي احذروا الحسد في مال أو جاه دنيوي فإنه مذموم بخلاف الغبطة في الأمر الأخروي (فإن الحسد يأكل الحسنات) أي يفني ويذهب طاعات الحاسد) (٨).

- وعن قيس، قال: سمعت عبد الله بن مسعود، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا فسلط على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها)) (٩).

قال النووي: (قال العلماء الحسد قسمان حقيقي ومجازي فالحقيقي تمني زوال النعمة عن صاحبها وهذا حرام بإجماع الأمة مع النصوص الصحيحة وأما المجازي فهو الغبطة وهو أن يتمنى مثل النعمة التي على غيره من غير زوالها عن صاحبها فإن كانت من أمور الدنيا كانت مباحة وإن كانت طاعة فهي مستحبة والمراد بالحديث لا غبطة محبوبة إلا في هاتين الخصلتين وما في معناهما قوله صلى الله عليه وسلم آناء الليل والنهار أي ساعاته (١٠).

قال ابن الجوزي: وَقد ذمّ الْحَسَد على الْإِطْلَاق لما ينتجه ويوجبه ... وأن المراد بالحديث نفي الحسد فحسب، فقوله: " لَا حسد " كلام تام، وهو نفي في معنى النهي. وقوله: " إِلَّا فِي اثنتين" استثناء ليس من الجنس) (١١).


(١) ((التفسير المنير)) (٥/ ٤٥).
(٢) رواه البخاري (٦٠٦٥)، ومسلم (٢٥٥٨).
(٣) ((شرح صحيح البخاري)) (٩/ ٢٥٨).
(٤) ((المنتقى شرح الموطأ)) (٧/ ٢١٦).
(٥) رواه أبو داود (٤٩٠٣)، والبزار (١٥/ ١١٥)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (٩/ ١٠) (٦١٨٤). وضعفه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (٢٩٠٨)، الألباني في ((ضعيف الجامع)) (٢١٩٧).
(٦) ((مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) (٨/ ٣١٥٥).
(٧) ((فيض القدير)) (٣/ ١٢٥).
(٨) ((عون المعبود)) (١٣/ ١٦٨).
(٩) رواه البخاري (٧٣) ومسلم (٣١٦).
(١٠) ((المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج)) (٦/ ٩٧).
(١١) ((كشف المشكل)) (١/ ٢٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>