للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- عن عائشة قالت قلت للنبي -صلى الله عليه وسلم- ((حسبك من صفية كذا وكذا قال غير مسدد تعني قصيرة. فقال لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته. قالت وحكيت له إنسانا فقال: ما أحب أني حكيت إنسانا وأن لي كذا وكذا)) (١).

(وقوله: (وقالت بيدها) أي أشارت بها (تعني قصيرة) أي تريد عائشة كونها قصيرة وفي المشكاة قلت للنبي صلى الله عليه وسلم حسبك من صفية كذا وكذا تعني قصيرة ((لقد مزجت بكلمة)) أي أعمالك ((لو مزج)) بصيغة المجهول أي لو خلط (بها) أي على تقدير تجسيدها وكونها مائعة (لمزج) بصيغة المجهول أيضا والمعنى تغير وصار مغلوبا. وفي المشكاة: لقد قلت كلمة لو مزج بها البحر لمزجته. قال القاري: أي غلبته وغيرته. قال القاضي: المزج الخلط والتغيير بضم غيره إليه) (٢).

وقوله ((ما أحب أني حكيت إنسانا)): (أي فعلت مثل فعله أو قلت مثل قوله منقصا له يقال حكاه وحاكاه، قال الطيبي: وأكثر ما تستعمل المحاكاة في القبيح ((وأن لي كذا وكذا)) أي لو أعطيت كذا وكذا من الدنيا أي شيئا كثيرا منها بسبب ذلك فهي جملة حالية واردة على التعميم والمبالغة، قال النووي: من الغيبة المحرمة المحاكاة بأن يمشي متعارجا أو مطاطيا رأسه أو غير ذلك من الهيئات) (٣).

- وعن أم هانئ، رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: ((قلت: يا رسول الله، أرأيت قول الله تبارك وتعالى: وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ [العنكبوت: ٢٩] ما كان ذلك المنكر الذي كانوا يأتونه؟ قال: كانوا يسخرون بأهل الطريق ويخذفونهم)) (٤).

قال المباركفوري: (اختلف في المنكر الذي كانوا يأتونه فيه فقيل كانوا يخذفون الناس بالحصباء ويستخفون بالغريب، وقيل كانوا يتضارطون في مجالسهم قالته عائشة، وقيل كانوا يأتون الرجال في مجالسهم وبعضهم يرى بعضا، وقيل كانوا يلعبون بالحمام، وقيل كانوا يناقرون بين الديكة ويناطحون بين الكباش؛ وقيل يبزق بعضهم على بعض ويلعبون بالنرد والشطرنج ويلبسون المصبغات) (٥).

- وعن ابن مسعود، ((أنه كان يجتني سواكا من الأراك، وكان دقيق الساقين، فجعلت الريح تكفؤه، فضحك القوم منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مم تضحكون؟ قالوا: يا نبي الله، من دقة ساقيه، فقال: والذي نفسي بيده، لهما أثقل في الميزان من أحد)) (٦).

- وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله، ولا يحقره التقوى هاهنا)) ويشير إلى صدره ثلاث مرات ((بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه، وماله، وعرضه)) (٧).

قوله: ((بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم)) قال ابن عثيمين: (يعني يكفي المؤمن من الشر أن يحقر أخاه المسلم، وهذا تعظيم لاحتقار المسلم، وأنه شر عظيم، لو لم يأت الإنسان من الشر إلا هذا، لكان كافيا، فلا تحقرن أخاك المسلم، لا في خلقته ولا في ثيابه ولا في كلامه ولا في خلقه ولا غير ذلك، أخوك المسلم حقه عليك عظيم فعليك أن تحترمه وأن توقره، وأما احتقاره فإنه محرم، ولا يحل لك أن تحتقره، وكذلك حديث ابن مسعود وحديث جندب بن عبد الله رضي الله عنهما كلاهما يدل على تحريم احتقار المسلم، وأنه لا يحل له حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حدث بحديث ابن مسعود، أنه لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر، قالوا يا رسول الله: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا ظن الصحابة رضي الله عنهم أن الإنسان إذا تلبس لباسا حسنا وانتعل نعلا حسنا) (٨).


(١) رواه أبو داود (٤٨٧٥)، والترمذي (٢٥٠٢)، والطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (٣/ ١١٣). والحديث سكت عنه أبو داود، وصححه ابن دقيق العيد في ((الاقتراح)) (١١٨)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)).
(٢) ((تحفة الأحوذي)) للمباركفوري (٧/ ١٧٧).
(٣) ((فيض القدير)) للمناوي (٥/ ٥٢٤).
(٤) رواه الترمذي (٣١٩٠)، وأحمد (٦/ ٣٤١) (٢٦٩٣٥)، والحاكم (٤/ ٣١٦)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (٥/ ٣١٠) (٦٧٥٥). قال الترمذي: حسن، وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال ابن عدي في ((الكامل في الضعفاء)) (٤/ ٤٢٤): [فيه] سعيد بن زيد هو عندي في جملة من ينسب إلى الصدق، وقال البيهقي: [له متابعه].
(٥) ((تحفة الأحوذي)) للمباركفوري (٩/ ٣٦).
(٦) رواه أحمد (١/ ٤٢٠) (٣٩٩١)، والبزار (٥/ ٢٢١) (١٨٢٧)، وابن حبان (١٥/ ٥٤٦) (٧٠٦٩)، والطبراني (٩/ ٧٨) (٨٤٥٢). قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٩/ ٢٩٢): رجاله رجال الصحيح، وصحح إسناده أحمد شاكر في تحقيق ((المسند)) (٦/ ٣٩)، وقال الألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (٢٧٥٠): صحيح بطرقه الكثيرة.
(٧) رواه مسلم (٢٥٦٤).
(٨) ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (٦/ ٢٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>