للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وضابط سوء الظن بالنفس، كما قال الشيخ سفر الحوالي: (العبرة المأخوذة من حديث الصادق المصدوق - إنما الأعمال بالخواتيم - .. هو اتهام النفس، فلا يتهم ربه، وإنما يتهم الإنسان نفسه بالتقصير، ويعاملها بالاتهام ليدفع عنها الغرور والعجب، دون أن يخرجه ذلك إلى حد سوء الظن بالله، أو اليأس من رحمته؛ لأنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، فلا ييأس الإنسان من روح الله ولا يقنط من رحمته، لكن ليجتهد في الطاعات، ومع ذلك يتهم نفسه وعمله ولا يدري أقبل عمله أم لم يقبل؟ مع ثقته في أن الله سبحانه وتعالى لن يضيع عمل عامل من المؤمنين أبدا) (١).

ومنهم من رأى الكراهة؛ قال الماوردي: (منهم من كرهه لما فيه من اتهام طاعتها، ورد مناصحتها. فإن النفس وإن كان لها مكر يردي فلها نصح يهدي. فلما كان حسن الظن بها يعمي عن مساوئها، كان سوء الظن بها يعمي عن محاسنها. ومن عمي عن محاسن نفسه كان كمن عمي عن مساوئها، فلم ينف عنها قبيحا ولم يهد إليها حسنا. وقال الأحنف بن قيس: من ظلم نفسه كان لغيره أظلم، ومن هدم دينه كان لمجده أهدم) (٢).

- ومنهم من قال بالموازنة بين سوء الظن وحسن الظن. قال الجاحظ:- ينبغي على المرء أن - (يكون في التهمة لنفسه معتدلا، وفي حسن الظن بها مقتصدا، فإنه إن تجاوز مقدار الحقّ في التهمة لنفسه ظلمها، فأودعها ذلة المظلومين، وإن تجاوز الحق في مقدار حسن الظن بها، آمنها فأودعها تهاون الآمنين. ولكل ذلك مقدار من الشغل، ولكل شغل مقدار من الوهن، ولكل وهن مقدار من الجهل) (٣).

القسم الثاني: سوء الظن الذي لا يؤاخذ به صاحبه:

وضابطه: هو الخواطر الطارئة غير المستقرة التي يجاهدها صاحبها ولا يسعى للتحقق منها.

قال النووي: (الخواطر، وحديث النفس، إذا لم يستقر ويستمر عليه صاحبه فمعفو عنه باتفاق العلماء، لأنه لا اختيار له في وقوعه، ولا طريق له إلى الانفكاك عنه، وهذا هو المراد بما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل)) قال العلماء: المراد به الخواطر التي لا تستقر. قالوا: وسواء كان ذلك الخاطر غيبة أو كفرا أو غيره، فمن خطر له الكفر مجرد خطر من غير تعمد لتحصيله، ثم صرفه في الحال، فليس بكافر، ولا شيء عليه .. وسبب العفو ما ذكرناه من تعذر اجتنابه، وإنما الممكن اجتناب الاستمرار عليه فلهذا كان الاستمرار وعقد القلب حراما ومهما عرض لك هذا الخاطر بالغيبة وغيرها من المعاصي، وجب عليك دفعه بالإعراض عنه وذكر التأويلات الصارفة له عن ظاهره) (٤).


(١) ((شرح العقيدة الطحاوية)) لسفر الحوالي.
(٢) ((أدب الدنيا والدين)) (١/ ٢٣٤ - ٢٣٥).
(٣) ((البيان والتبيين)) للجاحظ (١/ ٩٥ - ٩٦).
(٤) ((الأذكار)) للنووي (١/ ٣٤٥)، ((إحياء علوم الدين)) لأبي حامد الغزالي (٣/ ١٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>