للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فزيارة المسلم لأخيه المسلم تبعث على الحب والإخاء ولا سيما عند المرض، قال صلى الله عليه وسلم: ((من عاد مريضاً أو زار أخاً له في الله، ناداه مناد بأن طبت وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلا)) (١).

٩ - التهادي:

لا شك أن تقديم الهدية يزيد من الألفة والمحبة والتقارب بين المهدي والمهدى إليه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((تهادوا تحابوا)) (٢).

وقد حسر الماوردي أسباب الألفة على خمسة أسباب رئيسية: وهي: الدين والنسب والمصاهرة والمودة والبر، قال:

١ - (فأما الدين: وهو الأول من أسباب الألفة فلأنه يبعث على التناصر، ويمنع من التقاطع والتدابر. وبمثل ذلك وصى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه، فروى سفيان عن الزهري عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانا لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث)) (٣).

وهذا وإن كان اجتماعهم في الدين يقتضيه فهو على وجه التحذير من تذكر تراث الجاهلية وإحن الضلالة. فقد بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والعرب أشد تقاطعا وتعاديا، وأكثر اختلافا وتماديا، حتى إن بني الأب الواحد يتفرقون أحزابا فتثير بينهم بالتحزب والافتراق أحقاد الأعداء، وإحن البعداء ...

٢ - وأما النسب: وهو الثاني من أسباب الألفة فلأن تعاطف الأرحام حمية القرابة يبعثان على التناصر والألفة، ويمنعان من التخاذل والفرقة، أنفة من استعلاء الأباعد على الأقارب، وتوقيا من تسلط الغرباء الأجانب. وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إن الرحم إذا تماست تعاطفت)) (٤) ...

٣ - وأما المصاهرة: وهي الثالث من أسباب الألفة فلأنها استحداث مواصلة، وتمازج مناسبة، صدرا عن رغبة واختيار، وانعقدا على خير وإيثار، فاجتمع فيها أسباب الألفة ومواد المظاهرة. قال الله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً [الروم: ٢١] يعني بالمودة المحبة، وبالرحمة الحنو والشفقة، وهما من أوكد أسباب الألفة ...

٤ - وأما المؤاخاة بالمودة، وهي الرابع من أسباب الألفة؛ لأنها تكسب بصادق الميل إخلاصا ومصافاة، ويحدث بخلوص المصافاة وفاء ومحاماة. وهذا أعلى مراتب الألفة، ولذلك آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أصحابه؛ لتزيد ألفتهم، ويقوى تظافرهم وتناصرهم ...

٥ - وأما البر، وهو الخامس من أسباب الألفة فلأنه يوصل إلى القلوب ألطافا، ويثنيها محبة وانعطافا. ولذلك ندب الله تعالى إلى التعاون به وقرنه بالتقوى له فقال: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة: ٢].

لأن في التقوى رضى الله تعالى، وفي البر رضى الناس. ومن جمع بين رضى الله تعالى ورضى الناس فقد تمت سعادته وعمت نعمته. وروى الأعمش عن خيثمة عن ابن مسعود قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((جبلت القلوب على حب من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها)) (٥).


(١) رواه الترمذي (٢٠٠٨)، وابن ماجه (١٤٤٣) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال الترمذي: غريب. وحسنه الألباني في ((صحيح الجامع)) (٦٣٨٧).
(٢) رواه البخاري في ((الأدب المفرد)) (٥٩٤)، وأبو يعلى (١١/ ٩) (٦١٤٨)، والبيهقي (٦/ ١٦٩) (١١٧٢٦). قال العراقي في ((تخريج الإحياء)) (٢/ ٥٣): إسناده جيد، وحسن إسناده ابن حجر في ((التلخيص الحبير)) (٣/ ١٠٤٧)، وحسنه محمد جار الله الصعدي في ((النوافح العطرة)) (١٠٨)، وقال السفاريني في ((شرح كتاب الشهاب)) (٤١٥): إسناده جيد، وقال الرباعي في ((فتح الغفار)) (٣/ ١٣١٧): [روي] بإسناد حسن، وحسنه الألباني في ((صحيح الأدب المفرد)).
(٣) رواه البخاري (٢٠٧٦) ومسلم (٢٥٥٨) بلفظ آخر.
(٤) ((أدب الدنيا والدين)) (١/ ١٤٩).
(٥) رواه أبو نعيم في ((الحلية)) (٤/ ١٢١). وضعفه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (٣٥٨٠)، وقال الألباني في ((ضعيف الجامع)) (٢٦٢٥): موضوع مرفوعا وموقوفا.

<<  <  ج: ص:  >  >>