للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال العيني: (التَّرْجَمَة مُشْتَمِلَة على شَيْئَيْنِ: الْغَيْبَة والنميمة، ومطابقة الحَدِيث للبول ظَاهِرَة، وَأما الْغَيْبَة فَلَيْسَ لَهَا ذكر فِي الحَدِيث، وَلَكِن يُوَجه بِوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: أَن الْغَيْبَة من لَوَازِم النميمة لِأَن الَّذِي ينم ينْقل كَلَام الرجل الَّذِي اغتابه، وَيُقَال: الْغَيْبَة والنميمة أختَان، وَمن نم عَن أحد فقد اغتابه. قيل: لَا يلْزم من الْوَعيد على النميمة ثُبُوته على الْغَيْبَة وَحدهَا، لِأَن مفْسدَة النميمة أعظم وَإِذا لم تساوها لم يَصح الْإِلْحَاق. قُلْنَا: لَا يلْزم من اللحاق وجود الْمُسَاوَاة، والوعيد على الْغَيْبَة الَّتِي تضمنتها النميمة مَوْجُود، فَيصح الْإِلْحَاق لهَذَا الْوَجْه. الْوَجْه الثَّانِي: أَنه وَقع فِي بعض طرق هَذَا الحَدِيث بِلَفْظ الْغَيْبَة، وَقد جرت عَادَة البُخَارِيّ فِي الْإِشَارَة إِلَى مَا ورد فِي بعض طرق الحَدِيث) (١).

- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: حسبك من صفية كذا وكذا، فقال صلى الله عليه وسلم: ((لقد قلتِ كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته)) (٢).

قال النووي: (هذا الحديث من أعظم الزواجر عن الغيبة أو أعظمها وما أعلم شيئا من الأحاديث بلغ في ذمها هذا المبلغ) (٣).

(فإذا كانت هذه الكلمة بهذه المثابة، في مزج البحر، الذي هو من أعظم المخلوقات، فما بالك بغيبة أقوى منها) (٤).

وقال ابن عثيمين: (ومعنى: مزجته خالطته مخالطة يتغير بها طعمه، أو ريحه لشدة نتنها وقبحها، وهذا من أبلغ الزواجر عن الغيبة) (٥).

- وعن أبي بكرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم النحر بمنى: ((إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت)) (٦).

قال النووي في شرحه على مسلم: (المراد بذلك كله بيان توكيد غلظ تحريم الأموال والدماء والأعراض والتحذير من ذلك) (٧).

- وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- مرفوعاً: ((من أكل لحم أخيه في الدّنيا قرّب له يوم القيامة فيقال له: كله ميتاً كما أكلته حيّا فيأكله ويكلح ويصيح)) (٨).

قال ابن حجر: (يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْغِيبَةَ مِنَ الْكَبَائِرِ) (٩).

- وعن المستورد- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ((من أكل برجل مسلم أكلة فإنّ الله يطعمه مثلها من جهنّم، ومن كسي ثوباً برجل مسلم فإنّ الله يكسوه مثله من جهنّم، ومن قام برجل مقام سمعة ورياء فإنّ الله يقوم به مقام سمعة ورياء يوم القيامة)) (١٠).

قال الهروي: ((مَنْ أَكَلَ بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ) أَيْ: بِسَبَبِ غَيْبَتِهِ أَوْ قَذْفِهِ أَوْ وُقُوعِهِ فِي عِرْضِهِ أَوْ بِتَعَرُّضِهِ لَهُ بِالْأَذِيَّةِ عِنْدَ مَنْ يُعَادِيهِ ... وَفِي النِّهَايَةِ: مَعْنَاهُ الرَّجُلُ يَكُونُ صَدِيقًا ثُمَّ يَذْهَبُ إِلَى عَدُوِّهِ فَيَتَكَلَّمُ فِيهِ بِغَيْرِ الْجَمِيلِ لِيُجِيزَهُ عَلَيْهِ بِجَائِزَةٍ فَلَا يُبَارِكُ اللَّهُ لَهُ فِيهَا) (١١).


(١) ((عمدة القاري شرح صحيح البخاري)) للعيني (٨/ ٢٠٨).
(٢) رواه أبو داود (٤٨٧٥) واللفظ له، والترمذي (٢٥٠٢). وصححه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (٢/ ٢٦٤)، وصححه الألباني في ((صحيح الترغيب)) (٢٨٣٤).
(٣) ((فيض القدير)) للمناوي (٢/ ٤١١).
(٤) ((دليل الفالحين)) لمحمد البكري (٨/ ٣٥٢).
(٥) ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (٦/ ١٢٦).
(٦) رواه البخاري (٦٧)، ومسلم (١٦٧٩).
(٧) ((شرح النووي على مسلم)) (١١/ ١٦٩).
(٨) قال الحافظ ابن حجر في ((الفتح)) (١٠/ ٤٧٠): سنده حسن.
(٩) ((فتح الباري شرح صحيح البخاري)) لابن حجر (١٠/ ٤٧٠).
(١٠) رواه أبو داود (٤٨٨١)، وأحمد (٤/ ٢٢٩) (١٨٠٤٠)، والطبراني في ((الكبير)) (٢٠/ ٣٠٩). وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (٦٠٨٣).
(١١) ((مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) للهروي (٨/ ٣١٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>