للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن عتبان بن مالك- رضي الله عنه- وهو ممّن شهد بدراً- قال: ((كنت أصلّي لقومي بني سالم، وكان يحول بيني وبينهم واد إذا جاءت الأمطار فيشقّ عليّ اجتيازه قبل مسجدهم، فجئت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت له: إنّي أنكرت بصري وإنّ الوادي الّذي بيني وبين قومي يسيل إذا جاءت الأمطار فيشقّ عليّ اجتيازه فوددت أنّك تأتي فتصلّي من بيتي مكانا أتّخذه مصلّى، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: سأفعل. فغدا عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر- رضي الله عنه- بعد ما اشتّد النّهار فاستأذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأذنت له فلم يجلس حتّى قال: أين تحبّ أن أصلّي من بيتك، فأشرت له إلى المكان الّذي أحبّ أن أصلّي فيه فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكبّر وصففنا وراءه فصلّى ركعتين ثمّ سلّم وسلّمنا حين سلّم فحبسته على خزير يصنع له، فسمع أهل الدّار أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بيتي، فثاب رجال منهم حتّى كثر الرّجال في البيت، فقال رجل: ما فعل مالك؟ لا أراه. فقال: رجل منهم: ذاك منافق لا يحبّ الله ورسوله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لا تقل ذاك، ألا تراه قال لا إله إلّا الله يبتغي بذلك وجه الله؟، فقال: الله ورسوله أعلم. أمّا نحن فو الله ما نرى ودّه ولا حديثه إلّا إلى المنافقين. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فإنّ الله قد حرّم على النّار من قال لا إله إلّا الله يبتغي بذلك وجه الله)) (١).

الغيبة لا تقتصر على اللسان:

إن الشرع حرم الغيبة باعتبارها تصريح باللسان يفهم منه استنقاص الآخرين وذكر عيوبهم، وكذلك فإن كل فعل أو حركة أو كتابة توحي بالمقصود فهي غيبة.

قالت عائشة رضي الله عنها: دخلت علينا امرأة، فلما ولت أومأت بيدي أنها قصيرة، فقال عليه السلام: ((اغتبتها)) (٢).

غيبة العلماء ومن لهم شأن في الإسلام:

لا شك أن الوقيعة في المؤمنين حرام وأنها من كبائر الذنوب، وأن أشد أنواعها (غيبة العلماء والوقيعة في العلماء، والكلام على العلماء بما يجرحهم ... لأنه يترتب عليه فصل الأمة عن علمائها، ويترتب عليه عدم الثقة بأهل العلم، وإذا حصل هذا حصل الشر العظيم) (٣)، (وإذا كانت الغيبة لمن لهم شأن في الإسلام ومقام في الإسلام ونفع لعباد الله كولاة أمور المسلمين فالغيبة في حقهم أشد) (٤).

- أخبث الغيبة:

ومن أخبث أنواع الغيبة غيبة من يفهم المقصود بطريقة الصالحين إظهاراً للتعفف عنها، ولا يدرى بجهله أنه جمع بين فاحشتي الرياء والغيبة، كما يقع لبعض المرائين أنه يذكر عنده إنسان فيقول: الحمد لله الذي ما ابتلانا بقلة الحياء أو بالدخول على السلاطين، وليس قصده بدعائه إلا أن يفهم عيب الغير (٥).

- غيبة الكافر:

(سُئِلَ الْغَزَالِيُّ فِي فَتَاوِيهِ عَنْ غِيبَةِ الْكَافِرِ. فَقَالَ: هِيَ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ مَحْذُورَةٌ لِثَلَاثِ عِلَلٍ: الْإِيذَاءُ وَتَنْقِيصُ خَلْقِ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ خَالِقٌ لِأَفْعَالِ الْعِبَادِ، وَتَضْيِيعُ الْوَقْتِ بِمَا لَا يُعْنِي. قَالَ: وَالْأُولَى تَقْتَضِي التَّحْرِيمُ، وَالثَّانِيَةُ الْكَرَاهَةُ، وَالثَّالِثَةُ خِلَافُ الْأَوْلَى. وَأَمَّا الذِّمِّيُّ فَكَالْمُسْلِمِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمَنْعِ مِنْ الْإِيذَاءِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ عَصَمَ عِرْضَهُ وَدَمَهُ وَمَالَهُ. قَالَ فِي الْخَادِمِ: وَالْأُولَى هِيَ الصَّوَابُ) (٦).


(١) رواه البخاري (٤٢٥)، ومسلم (٣٣).
(٢) رواه أحمد (٦/ ٢٠٦) (٢٥٧٤٩)، والطبري في ((تفسيره)) (٢٢/ ٣٠٧).
(٣) ((ما يجب في التعامل مع العلماء)) صالح الفوزان (ص١٧).
(٤) ((ما يجب في التعامل مع العلماء)) صالح الفوزان (ص٢٩ - ٣٠).
(٥) ((الزواجر عن اقتراف الكبائر)) لابن حجر الهيتمي (٢/ ٥٦١).
(٦) ((الزواجر عن اقتراف الكبائر)) لابن حجر الهيتمي (٢/ ٥٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>