للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- وعن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء)) (١)

قال ابن بطال في قوله (ولا الفاحش، أي: فاعل الفحش أو قائله. وفي النهاية أي: من له الفحش في كلامه وفعاله قيل أي: الشاتم، والظاهر أن المراد به الشتم القبيح الذي يقبح ذكره. ((ولا البذيء)) ... وهو الذي لا حياء له كما قاله بعض الشراح. وفي النهاية: البذاء بالمد الفحش في القول وهو بذيء اللسان، وقد يقال بالهمز وليس بكثير. اهـ. فعلى هذا يخص الفاحش بالفعل لئلا يلزم التكرار، أو يحمل على العموم، والثاني يكون تخصيصا بعد تعميم بزيادة الاهتمام به لأنه متعد) (٢).

- وعن عائشة- رضي الله عنها- قالت: ((استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ائذنوا له، بئس أخو العشيرة أو ابن العشيرة، فلما دخل ألان له الكلام. قلت: يا رسول الله، قلت الذي قلت ثم ألنت له الكلام. قال: أي عائشة، إن شر الناس من تركه الناس أو ودعه الناس اتقاء فحشه)) (٣).

(قال الخطابي جمع هذا الحديث علما وأدبا وليس في قول النبي صلى الله عليه وسلم في أمته بالأمور التي يسميهم بها ويضيفها إليهم من المكروه غيبة وإنما يكون ذلك من بعضهم في بعض بل الواجب عليه أن يبين ذلك ويفصح به ويعرف الناس أمره فإن ذلك من باب النصيحة والشفقة على الأمة ولكنه لما جبل عليه من الكرم وأعطيه من حسن الخلق أظهر له البشاشة ولم يجبهه بالمكروه لتقتدي به أمته في اتقاء شر من هذا سبيله وفي مداراته ليسلموا من شره وغائلته) (٤).

(والفحش والبذاء مذموم كله، وليس من أخلاق المؤمنين. وقد روى مالك عن يحيى بن سعيد أن عيسى بن مريم لقي خنزيرا في طريق فقال له: انفذ بسلام فقيل له: تقول هذا لخنزير فقال عيسى ابن مريم: إني أخاف أن أعود لساني المنطق السوء. فينبغي لمن ألهمه الله رشده أن يجنبه ويعود لسانه طيب القول ويقتدي في ذلك بالأنبياء - عليهم السلام - فهم الأسوة الحسنة. وفى حديث عائشة أنه لا غيبة في الفاسق المعلن وإن ذكر بقبيح أفعاله. وفيه: جواز مصانعة الفاسق وإلانة القول لمنفعة ترجى منه) (٥).

- وعن أبي الدرداء- رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإن الله ليبغض الفاحش البذيء)) (٦).

- وعن أبي أمامة الباهلي- رضي الله عنه- أنه قال: ((قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحياء والعي شعبتان من الإيمان والبذاء والبيان شعبتان من شعب النفاق)) (٧).

(قال البيضاوي: لما كانا باعثين على التحفظ في الكلام والاحتياط فيه عُدَّا من الإيمان، وما يخالفهما من النفاق وعلى هذا يكون المراد بالعِيِّ ما يكون سبب التأمل والتحرز عن الوبال، لا الخلل في اللِّسان، وبالبيان ما يكون بسبب الاجتراء وعدم المبالاة بالطغيان، والتحرز عن الزور والبهتان. والبذَاء، والبيانُ شعبتان من النِّفاقِ قال في النهاية: أراد أنهما خصلتان منشؤهما النفاق، أما البذاء؛ وهو الفحش، فظاهر، وأما البيان؛ فإنما أراد منه بالذم التعمق في النطق، والتفاصح وإظهار التقدم فيه على النَّاس، وكأنه نوع من العجب، والكبر، ولذا قال في روايةِ أخرى: ((بعض البيان)) لأنه ليس كل البيان مذمومًا) (٨).


(١) رواه الترمذي (١٩٧٧)، وابن حبان (١/ ٤٢١) (١٩٢)، والحاكم (١/ ٥٧). قال الترمذي: حسن غريب. وصحح إسناده العراقي في ((تخريج الإحياء)) (ص١٠١٠)، وصححه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (٧٥٨٤).
(٢) ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (٩/ ٢٣٠).
(٣) رواه البخاري (٦٠٥٤).
(٤) ((فتح الباري)) لابن حجر (١٠/ ٤٥٤).
(٥) ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (٧/ ٣٠٤٤).
(٦) رواه الترمذي (٢٠٠٢)، وابن حبان (١٢/ ٥٠٦). قال الترمذي: حسن صحيح. وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (٥٦٢٨).
(٧) رواه الترمذي (٢٠٢٧)، وأحمد (٥/ ٢٦٩) (٢٢٣٦٦). قال الترمذي: حسن غريب. وقال الحاكم (١/ ٥١): صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. وصححه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (٣٨٦٦).
(٨) ((قوت المقتذي)) للسيوطي (١/ ٤٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>