للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الماوردي: (وما قدح في الأعراض من الكلام نوعان: أحدهما: ما قدح في عرض صاحبه ولم يتجاوزه إلى غيره، وذلك شيئان: الكذب وفحش القول. والثاني: ما تجاوزه إلى غيره، وذلك أربعة أشياء: الغيبة والنميمة والسعاية والسب بقذف أو شتم. وربما كان السب أنكاها للقلوب وأبلغها أثرا في النفوس. ولذلك زجر الله عنه بالحد تغليظا وبالتفسيق تشديدا وتصعيبا. وقد يكون ذلك لأحد شيئين: إما انتقام يصدر عن سفه أو بذاء يحدث عن لؤم. وقد روى أبو سلمة عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((المؤمن غر كريم والفاجر خب لئيم)) (١). وقال ابن المقفع: الاستطالة لسان الجهال. وكف النفس عن هذه الحال بما يصدها من الزواجر أسلم وهو بذوي المروءة أجمل) (٢).

ج- وإما بالتعبير عن الأمور المستقبحة بعبارة صريحة:

بعض الناس يستخدم عبارات يقبح استخدامها ولو كانت هذه العبارات مطابقة للواقع وصحيحة يعتبر من الفحش، وعليه أن يستعمل الكناية وأن لا يصرح به ويعبر عنه بكلام يفهم منه المقصود، قال النووي: (قال العلماء: فينبغي أن يستعمل في هذا وما أشبهه من العبارات التي يستحيى من ذكرها بصريح اسمها الكنايات المفهمة، فيكني عن جماع المرأة بالإفضاء والدخول والمعاشرة والوقاع ونحوها، ولا يصرح بالنيك والجماع ونحوهما، وكذلك يكني عن البول والتغوط بقضاء الحاجة، والذهاب إلى الخلاء، ولا يصرح بالخراءة والبول ونحوهما، وكذلك ذكر العيوب كالبرص والبخر والصنان وغيرها، يعبر عنها بعبارات جميلة يفهم منها الغرض، ويلحق بما ذكرناه من الأمثلة ما سواه. واعلم أن هذا كله إذا لم تدع حاجة إلى التصريح بصريح اسمه، فإن دعت حاجة لغرض البيان والتعليم، وخيف أن المخاطب لا يفهم المجاز، أو يفهم غير المراد، صرح حينئذ باسمه الصريح ليحصل الإفهام الحقيقي، وعلى هذا يحمل ما جاء في الأحاديث من التصريح بمثل هذا، فإن ذلك محمول على الحاجة كما ذكرنا، فإن تحصيل الإفهام في هذا أولى من مراعاة مجرد الأدب) (٣) وقال الغزالي: (فإن لأهل الفساد عبارات صريحة فاحشة يستعملونها فيه وأهل الصلاح يتحاشون عنها بل يكنون عنها ويدلون عليها بالرموز فيذكرون ما يقربها ويتعلق بها وقال ابن عباس: (إن الله حي كريم يعفو ويكنو) كنى باللمس عن الجماع فالمسيس واللمس والدخول والصحبة كنايات عن الوقاع وليست بفاحشة وهناك عبارات فاحشة يستقبح ذكرها ويستعمل أكثرها في الشتم والتعيير وهذه العبارات متفاوتة في الفحش وبعضها أفحش من بعض وربما اختلف ذلك بعادة البلاد وأوائلها مكروهة وأواخرها محظورة وبينهما درجات يتردد فيها وليس يختص هذا بالوقاع بل بالكناية بقضاء الحاجة عن البول والغائط أولى من لفظ التغوط والخراء وغيرهما فإن هذا أيضا ما يخفى وكل ما يخفى يستحيا منه فلا ينبغي أن يذكر ألفاظه الصريحة فإنه فحش وكذلك يستحسن في العادة الكناية عن النساء فلا يقال قالت زوجتك كذا بل يقال قيل في الحجرة أو من وراء الستر أو قالت أم الأولاد فالتلطف في هذه الألفاظ محمود والتصريح فيها يفضي إلى الفحش وكذلك من به عيوب يستحيا منها فلا ينبغي أن يعبر عنها بصريح لفظها كالبرص والقرع والبواسير بل يقال العارض الذي يشكوه وما يجري مجراه فالتصريح بذلك داخل في الفحش وجميع ذلك من آفات اللسان) (٤).


(١) رواه أبو داود (٤٧٩٠)، والترمذي (١٩٦٤)، وأحمد (٢/ ٣٩٤) (٩١٠٧). قال الترمذي: غريب. وحسنه الألباني في ((صحيح الجامع)) (٦٦٥٣).
(٢) ((أدب الدنيا والدين)) (ص ٣٢٣).
(٣) ((الأذكار)) للنووي (ص٣٧٦).
(٤) ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (٣/ ١٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>