للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن كثير: (قال تعالى: وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ الفظ: الغليظ، (و) (٦) المراد به هاهنا غليظ الكلام؛ لقوله بعد ذلك: غَلِيظَ الْقَلْبِ أي: لو كنت سيئ الكلام قاسي القلب عليهم لانفضوا عنك وتركوك، ولكن الله جمعهم عليك، وألان جانبك لهم تأليفا لقلوبهم) (١).

وقال السعدي: (وَلَوْ كُنتَ فَظًّا أي: سيئ الخلق غَلِيظَ الْقَلْبِ أي: قاسيه، لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ لأن هذا ينفرهم ويبغضهم لمن قام به هذا الخلق السيئ فالأخلاق الحسنة من الرئيس في الدين، تجذب الناس إلى دين الله، وترغبهم فيه، مع ما لصاحبه من المدح والثواب الخاص، والأخلاق السيئة من الرئيس في الدين تنفر الناس عن الدين، وتبغضهم إليه، مع ما لصاحبها من الذم والعقاب الخاص، فهذا الرسول المعصوم يقول الله له ما يقول، فكيف بغيره؟!) (٢).

ذم القسوة والغلظة والفظاظة من السنة النبوية:

- عن أبي مسعود: قال أشار النبي صلى الله عليه وسلم بيده نحو اليمين وقال: ((الإيمان هاهنا - مرتين - ألا وإن القسوة وغلظ القلوب في الفدادين - حيث يطلع قرنا الشيطان - ربيعة ومضر)) (٣).

قال الخطابي: (إنما ذم هؤلاء لاشتغالهم بمعالجة ما هم عليه عن أمور دينهم وتلهيهم عن أمر الآخرة وتكون منها قساوة القلب) (٤).

- وعن عبد الله بن عمرو قال عن صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - في التوراة، (قال: والله إنه لموصوفٌ في التوراة ببعض صفته في القرآن: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا [الأحزاب: ٤٥] وحرزًا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظٍ) (٥).

قال الملا علي القاري: (والمعنى ليس بسيئ الخلق أو القول ولا غليظ أي ضخم كريه الخلق أو سيئ الفعل أو غليظ القلب وهو الأظهر لقوله تعالى وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ [آل عمران: ١٥٩]. أي شديده وقاسيه فيناسب حينئذ أن يكون الفظ معناه بذاذة اللسان ففيه إيماء إلى طهارة عضويه الكريمين من دنس الطبع ووسخ هوى النفس الذميمين وقد قال الكلبي فظا في القول غليظ القلب في الفعل) (٦).

وقال المناوي: (ليس بفظ) أي شديداً ولا قاسي القلب على المؤمنين (ولا غليظ) أي سيئ) (٧).

- وعن أبي هريرة، أن رجلا شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه قال: ((إن أردت أن يلين قلبك، فأطعم المسكين، وامسح برأس اليتيم)) (٨).

قال الملا علي القاري في شرحه للحديث: (أي قساوته وشدته وقلة رقته وعدم إلفته ورحمته قال امسح رأس اليتيم لتتذكر الموت فيغتنم الحياة فإن القسوة منشؤها الغفلة وأطعم المسكين لترى آثار نعمة الله عليك حيث أغناك وأحوج إليك سواك فيرق قلبك ويزول قسوته ولعل وجه تخصيصهما بالذكر أن الرحمة على الصغير والكبير موجبة لرحمة الله تعالى على عبده المتخلق ببعض صفاته فينزل عليه الرحمة ويرتفع عنه القسوة وحاصله أنه لا بد من ارتكاب أسباب تحصيل الأخلاق بالمعالجة العلمية أو بالعملية أو بالمعجون المركب منهما) (٩).

- وعن حارثة بن وهبٍ أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((ألا أدلكم على أهل الجنة؟ كل ضعيفٍ متضعفٍ لو أقسم على الله لأبره وقال: أهل النار كل جواظٍ عتل مستكبرٍ)) (١٠).

فسر بعض العلماء العتل بأنه الفظ الشديد من كل شيء، والغليظ العنيف والجواظ بالفظ الغليظ، والجعظري بالفظ الغليظ (١١).

وقال ابن عثيمين: (فالعتل الشديد الغليظ الذي لا يلين للحق ولا للخلق) (١٢).


(١) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (٢/ ١٤٨)، ((جامع البيان في تأويل القرآن)) للطبري (٧/ ٣٤١).
(٢) ((تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)) للسعدي (١/ ١٥٤).
(٣) رواه البخاري (٣٣٠٢)، ومسلم (٥١).
(٤) ((عمدة القاري)) للعيني (١٥/ ١٩١).
(٥) رواه البخاري (٢١٢٥).
(٦) ((مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) للملا علي القاري (٩/ ٣٦٧٩).
(٧) ((التيسير بشرح الجامع الصغير)) للمناوي (٢/ ٨٩).
(٨) رواه أحمد (٢/ ٢٦٣) (٧٥٦٦)، والبيهقي (٤/ ٦٠) (٧٣٤٥)، والمنذري في ((الترغيب والترهيب)) (٣/ ٢٣٧). قال المنذري، والدمياطي في ((المتجر الرابح)) (٢٥٩)، والهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٨/ ١٦٣)، والرباعي في ((فتح الغفار)) (٤/ ٢١٣٣): رجاله رجال الصحيح، وحسنه الألباني في ((صحيح الجامع)) (١٤١٠).
(٩) ((مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) للملا علي القاري (٨/ ٣١٣٠).
(١٠) رواه البخاري (٦٦٥٧).
(١١) أخرجه البخاري ومسلم وثم تفسيرات أخرى فلتراجع انظر ((فتح الباري)) لابن حجر (٨/ ٦٦٣)، ((فيض القدير)) للمناوي (٣/ ٨٧).
(١٢) ((كتب ورسائل ابن عثيمين)) مجالس شهر رمضان (ص١٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>