للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- أما فرعون فقد ملأ الدنيا كبراً وعجباً وخيلاء حتى وصل به الحال أن ادعى الربوبية والألوهية: قال الله تبارك وتعالى: وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ [القصص: ٣٨ – ٤٠].

- والكبر سبب في الإعراض عن آيات الله والصد عنها, قال الله تبارك وتعالى: وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [الجاثية: ٧ - ٨]

- وهو سبب للصرف عن دين الله: قال الله تبارك وتعالى: سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ [الأعراف: ١٤٦].

- وهو سبب لدخول النار والخلود فيها قال الله تبارك وتعالى: وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ [الأحقاف: ٢٠].

ذم الكِبْرِ والنهي عنه من السنة النبوية:

- عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: ((لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ في قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّة مِنْ كِبْرٍ! فَقَالَ رَجُلٌ: إنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَناً، ونَعْلُهُ حَسَنَةً؟ قَالَ: إنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمَالَ، الكِبْرُ: بَطَرُ الحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ)) (١).

قال الإمام النووي رحمه الله في شرح الحديث: (قد اختلف في تأويله. فذكر الخطابي فيه وجهين:

أحدهما: أن المراد التكبر عن الإيمان فصاحبه لا يدخل الجنة أصلا إذا مات عليه.

والثاني: أنه لا يكون في قلبه كبر حال دخوله الجنة، كما قال الله تعالى: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ [الأعراف: ٤٣].

وهذان التأويلان فيهما بعد فإن هذا الحديث ورد في سياق النهي عن الكبر المعروف وهو الارتفاع على الناس، واحتقارهم، ودفع الحق، فلا ينبغي أن يحمل على هذين التأويلين المخرجين له عن المطلوب. بل الظاهر ما اختاره القاضي عياض وغيره من المحققين أنه لا يدخل الجنة دون مجازاة إن جازاه. وقيل: هذا جزاؤه لو جازاه، وقد يتكرم بأنه لا يجازيه، بل لا بد أن يدخل كل الموحدين الجنة إما أولا، وإما ثانيا بعد تعذيب بعض أصحاب الكبائر الذين ماتوا مصرين عليها. وقيل: لا يدخل مع المتقين أول وهلة.) (٢)


(١) رواه مسلم (٩١).
(٢) ((شرح النووي على مسلم)) (٢/ ٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>