للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تعظيم الصالحين الذي يحبه الله، ويريدون بذلك شفاعتهم عند الله؛ لظنهم أنهم يحبون ذلك ... وهذه أعظم مسألة خالفهم فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأتى بالإخلاص، وأخبرهم أنه دين الله الذي لا يقبل من أحد سواه، وأخبر أن من فعل ما يستحسنونه فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار، وهذه المسألة هي الدين كله، ولأجلها تفرق الناس بين مسلم وكافر، وعندها وقعت العداوة، ولأجلها شرع الجهاد" (١).

وفيما يلي أذكر بعض الأدلة الدالة على صحة القاعدة:

قوله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٨)} [يونس: ١٨].

بيَّن الله تعالى ذكره في هذه الآية صفة عبادة المشركين، لأوثانهم، وأنهم تجاوزوا الله تعالى إلى عبادة غيره مع عبادتهم له سبحانه، فأشركوا معبوداتهم مع الله تعالى في العبادة، مع كونها لا تملك لهم ضرًّا ولا نفعًا، معتقدين وقاصدين بتلك العبادة التقرّب إلى الله تعالى، وحصول الشفاعة عنده عز وجل، فأبطل سبحانه قولهم بأنه لا يعلم في السموات ولا في الأرض شفيعًا يشفع بدون إذنه ورضاه.

يقول الإمام الطبري في تأويل الآية: "يعني أنهم كانوا يعبدونها رجاء شفاعتها عند الله ... وكان المشركون يزعمون أنها تشفع لهم عند الله، فقال الله لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: قل لهم أتخبرون الله أن ما لا يشفع في السماوات ولا في الأرض يشفع لكم فيهما، وذلك باطل لا تعلم حقيقته وصحته، بل يعلم الله أن ذلك خلاف ما تقولون، وأنها لا تشفع لأحد ولا تنفع ولا تضر" (٢).


(١) مسائل الجاهلية التي خالف فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أهل الجاهلية، للألوسي (ص ٤ - ٥).
(٢) تفسير الطبري (١١/ ٩٨)، وانظر: فتح القدير (٢/ ٤٣٢).