للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

* المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

يستدل لهذه القاعدة بالنصوص الدالة على أنه لا يعلم الغيب إلا اللَّه تعالى، فهو العالم بما كان وبما سيكون، وبما لم يكن لو كان كيف يكون، وهو القادر على إيصال النفع أو الضر إلى من يشاء من خلقه، وهذا من أعظم أصول الإسلام، وقواعده العظام:

لقد دلَّ على تقرير هذا الأصل أدلة لا تكاد تحصى كثرة، فمن ذلك قوله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٥٩)} [الأنعام: ٥٩] وقوله: فَقُل {فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ} [يونس: ٢٠] وقوله سبحانه: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (٦٥)} [النمل: ٦٥] وقوله جلَّ وعز: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦)} [الجن: ٢٦] والشرع قد حافظ على هذا الأصل العظيم، وشدَّد فيه، وحرَّم كل الطرق والوسائل المؤدية إلى خدشه وزعزعته، وبذلك يكون قد حث على تكميل الأديان بالمحافظة عليها وعلى تكميل العقول بصيانتها، وتوضيح ذلك فيما يلي:

١ - أنه حرَّم إتيان الكهان، وسؤال العرافين، أو تصديقهم، وهم الذين يدعون معرفة الغيوب، ويحدثون الناس بما يكون في المستقبل؛ سواء كان عامًا أو خاصًا، فالشرع حرَّم إتيانهم وسؤالهم حفاظًا على الدين، وصيانة للعقول من الجري وراءهم، ولذا جاء فيما رواه أبو هريرة والحسن - رضي الله عنهما -: عن النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أتى كاهنًا أو عرافًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم-" (١).


(١) أخرجه الإمام أحمد في "مسنده" (٢/ ٤٢٩)، برقم (٩٥٣٢)، من طريق خلاس عن =