للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أنه نفسه، لا يوجب بنفسه حصول العلم والإرادة في النفس إلا بقوة منها تقبل ذلك، وتلك القوة لا تتوقف على أخرى، وإلا لزم التسلسل الذي لا يتناهى بين طرفين متناهيين، أو الدور القبلي، وكلاهما ممتنع بالضرورة واتفاق العقلاء.

فهذا يدل على أن في النفس قوة ترجح الدين الحق على غيره، وحينئذٍ فالمخاطب إنما عنده تنبيهها على ما لا تعلمه لتعلمه، أو تذكيرها بما كانت ناسية لتذكره، أو تحضيضها على ما لا تريده لتريده، ونحو ذلك.

وكل هذه الأمور يمكن أن تحصل بخواطر في النفس تقتضي تنبيهها وتذكيرها وتحضيضها، واعتبار الإنسان ذلك من نفسه يوجب علمه بذلك؛ فإن ما يسمعه الإنسان من كلام البشر يمكن أن يخطر له مثله في قلبه، فعلم أن الفطرة يمكن حصول إقرارها بالصانع والمحبة والإخلاص له بدون سبب منفصل، وأنه يمكن أن تكون الذات كافية في ذلك.

ومن المعلوم أنه إذا كان المُقْتَضِي لذلك قائمًا في النفس، وقدر عدم المعارض، فالمقتضي السالم عن المعارض المُقَاوِم يوجب مقتضاه، فعلم أن الفطرة السليمة إذا لم يحصل لها من يفسدها كانت مقرة بالصانع، عابدة له" (١).

* المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

يمكن الاستدلال بعدد من الأدلة المؤيدة لهذه القاعدة، ومن ذلك: أولًا: قوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٣٠)} [الروم: ٣٠].


(١) درء التعارض (٨/ ٤٦١ - ٤٦٢).