للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تمهيد في أحوال التوجه والاستقبال]

الناظر في كتب أهل العلم -رحمهم الله- يجد أنهم قسموا التوجه والاستقبال إلى أقسام شتى، وفيما يلي أذكر ما وقفت عليه من تلك الأقسام مع بيان أمثلتها وأقوال أهل العلم فيها، فأقول وبالله التوفيق:

لقد تكلم أهل العلم في طبيعة التوجه والاستقبال الذي يقارن أحوال الإنسان سواء كانت عبادة أو عادة، وذكروا أنه على أحوال:

أولًا الذي يتصور من التوجه والاستقبال في الشرع أنه إما يكون إلى جهة القبلة -وهي الكعبة (١) -، أو أن يكون إلى غير جهة الكعبة، فإن كان إلى جهة القبلة؛ فله ثلاثة أحوال:

الأول: استقبال واجب في حال العلم بجهة القبلة، وحال الاستطاعة، والأمن، وحالة الحضر والإقامة؛ كاستقبال المصلي للقبلة في الصلاة، ويخرج بذلك صلاة الجاهل بجهة القبلة، فإنَّه يصلي حسب اجتهاده وإن كان هو في الواقع لم يصب القبلة (٢)، وكذا صلاة الخائف،


(١) القبلة في اللغة هي الجهة، فقبلة الشيء؛ أي: جهته، ولكنها صارت في الشرع لا يفهم منها سوى الكعبة، يصلى إليها. قال الهروي: إنما سميت قبلة؛ لأن المصلى يقابلها وتقابله، ونقل الإمام ابن عبد البر الإجماع على أن القبلة التي أمر الله النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعباده بالتوجه نحوها في صلاتهم هي الكعبة؛ البيت الحرام بمكة. [انظر: تاج العروس (٣٠/ ٢٠٧)، والاستذكار (٢/ ٤٥٥)، وإعانة الطالبين (١/ ١٢٣)، وتهذيب الأسماء واللغات (٣/ ٢٥٩)].
(٢) والأصل في ذلك حديث عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه عند الترمذي (٢/ ١٧٦)، رقم (٣٤٥)، قال: (كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفر في ليلة مظلمة، فلم ندر أين القبلة، فصلى كل رجل منا على حياله، فلما أصبحنا ذكرنا ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فنزل {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: ١١٥])، وجاء عند الدارقطني عن جابر (١/ ٢٧١)، باب: الاجتهاد في القبلة وجواز التحري في ذلك، حديث رقم (٤)، وفيه زيادة: (فلم يأمرنا بالإعادة وقال قد أجزأت صلاتكم)، وحسنه الشيخ الألباني رَحِمَهُ الله. [انظر: إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (١/ ٣٢٣)، رقم (٢٩١)، وانظر: أصل صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- للألباني (١/ ٧٢)].