للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولأجل هذا حسن وقوع الرجاء في موضع يحسن فيه وقوع الخوف، قال الله تعالى: {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (١٣)} [نوح: ١٣]، قال كثير من المفسرين: المعنى: ما لكم لا تخافون لله عظمة، قالوا: والرجاء بمعنى الخوف.

والتحقيق أنه ملازم له، فكل راج خائف من فوات مرجوه، والخوف بلا رجاء يأس وقنوط، وقال تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (١٤)} [الجاثية: ١٤]، قالوا في تفسيرها: لا يخافون وقائع الله بهم كوقائعه بمن قبلهم من الأمم.

ومنها: أن العبد إذا تعلق قلبه برجاء ربه فأعطاه ما رجاه كان ذلك ألطف موقعًا، وأحلى عند العبد، وأبلغ من حصول ما لم يرجه، وهذا أحد الأسباب والحكم في جعل المؤمنين بين الرجاء والخوف في هذه الدار، فعلى قدر رجائهم وخوفهم يكون فرحهم في القيامة بحصول مرجوهم، واندفاع مخوفهم" (١).

* المسألة الرابعة* أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

تضافرت أقوال العلماء في تقرير القاعدة، سواء بلفظها أو بمعناها، وفيما يلي أذكر بعض ما وقفت عليه من تلك الأقوال:

يقول الإمام ابن تيمية: "والعبادة تجمع كمال المحبة، وكمال الذل، فالعابد محب خاضع، بخلاف من يحب من لا يخضع له، بل يحبه ليتوسل به إلى محبوب اَخر، وبخلاف من يخضع لمن لا يحبه، كما يخضع للظالم، فإن كُلًّا من هذين ليس عبادة محضة" (٢).


(١) مدارج السالكين (٢/ ٥١).
(٢) قاعدة في المحبة (٩٨).