للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (٧٦)} [الأنعام: ٧٦]، وقال في القمر: {لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (٧٧)} [الأنعام: ٧٧]، فلما أفلت الشمس قال: {قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٧٨) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٧٩)} [الأنعام: ٧٨، ٧٩]، ولهذا تبرأ إبراهيم من المشركين، وممن أشركوا بالله قال: {قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٧٥) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (٧٦) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (٧٧)} [الشعراء: ٧٥ - ٧٧]، وقال تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٤)} [الممتحنة: ٤] " (١).

رابعًا: أن محبة الله تعالى ورجاءه والخوف منه متلازمة، لا ينفك أحدها عن الآخر، فالقلب متى ما تحقق بالمحبة لله تبارك وتعالى، فإن ذلك يقتضي ويستوجب الرجاء والخوف من المعبود، فإن من أحب شيئًا طمع في حصوله وقربه، وخاف من فقده وبعده، الذي أحب الله تعالى طمع في قربه وإحسانه ونعيمه، وخاف من بعده وعذابه.

يقول الإمام ابن تيمية: "وإذا كانت المحبة أصل كل عمل ديني؛ فالخوف، والرجاء، وغيرهما يستلزم المحبة ويرجع إليها، فإن الراجي الطامع إنما يطمع فيما يحبه لا فيما يبغضه، والخائف يفر من الخوف؛ لينال المحبوب" (٢).

ويقول الإمام ابن القيم: "ومنها أن المحبة لا تنفك عن الرجاء كما تقدم، فكل واحد منهما يمد الآخر ويقويه، ومنها أن الخوف مستلزم للرجاء، والرجاء مستلزم للخوف، فكل راج خائف، وكل خائف راج،


(١) قاعدة في المحبة (ص ٨٧).
(٢) مجموع الفتاوى (١٠/ ٦١).