للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقول الإمام ابن تيمية: "والذين كرهوا ما أنزل الله: كفار، وأعمال القلوب؛ مثل حب الله ورسوله، وخشية الله، ونحو ذلك: كلها من الإيمان، وكراهة ما أنزل الله كفر، وأوثق عرى الإيمان الحب في الله، والبغض في الله، وقد قال تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: ٢٢] " (١).

ويقول الإمام ابن كثير في قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ}: "أي: لا يريدونه، ولا يحبونه، {فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} " (٢).

ثالثًا: ومما يدل على أن المحبة أصل في كل عبادة أن إبراهيم -عليه السلام- نفى هذه المحبة عن نفسه للشمس والقمر والكواكب، وهو في مقام المناظرة والإلزام لقومه، وكانوا قد عبدوا الكواكب والشمس والقمر، مما يدل على أن أصل إشراكهم هو محبتهم لهذه الآلهة من دون الله تعالى كعادة المشركين، فإنهم يعبدون ما يهونه ويحبونه (٣)، ولذا أنكر الله عليهم بقوله: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (٤٣)} [الفرقان: ٤٣].

يقول الإمام ابن تيمية: "ومما يبين ذلك: أن أصل العبادة: هي المحبة، وأن الشرك فيها أصل الشرك، كما ذكره الله في قصة إمام الحنفاء إبراهيم الخليل حيث قال: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا


(١) منهاج السُّنَّة النبوية (٥/ ٢٩٨).
(٢) تفسير ابن كثير (٤/ ١٧٥).
(٣) يقول الإمام ابن تيمية عن شرك قوم إبراهيم -عليه السلام- ومناظرته لهم: "وكانوا يتخذونهم شفعاء، وشركاء، كما أخبر القرآن بذلك، ولهذا قال الخليل: {قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (٧٦)}، فذكر أنه لا يحب الآفلين لأنهم كانوا على عادتهم، على عادة المشركين، يعبد أحدهم ما يحبه ويهواه، ويتخذ إلهه هواه، وقوله: (لا أحب الآفلين): كلام مناسب ظاهر؛ فإن الأقل يغيب عن عابده، فلا يبقى وقت أفوله من يعبده، ويستعينه، وينتفع به، ومن عبد ما يطلب منه المنفعة ودفع المضرة فلا بد أن يكون ذلك في جميع الأوقات، فإذا أفل ظهر بالحس حينئذٍ أنه لا يكون سببًا في نفع ولا ضر، فضلًا عن أن يكون مستقلًا". [بغية المرتاد (٣٧٤)].