للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (٨٣)} [مريم: ٨٣]، فمن عبد غير الله كائنًا ما كان فإنما عبد في الحقيقة الشيطان كما قال سبحانه: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٠)} [يس: ٦٠].

وقال عز وجل عن مجادلة إبراهيم عليه السلام لأبيه: {يَاأَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (٤٤)} [مريم: ٤٤]، مع ما صرح الله به من عبادة أبيه للأصنام: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٧٤)} [الأنعام: ٧٤].

فالشيطان هو أصل الطغيان في الأرض، وكل من طغى وتجاوز الحد بعده فهو إمامه وقائده، يستمد منه الكفر والطغيان، ويستقي منه الضلال والبهتان، فكان حقيقًا بأن يسمى الطاغوت الأكبر.

يقول ابن عطية معقبًا على الأقوال التي قيلت في معنى الطاغوت: "وبين أن هذه أمثلة في الطاغوت؛ لأن واحد منها له طغيان، والشيطان أصل ذلك كله" (١).

ولذا قال الإمام ابن كثير عقب ذكره لقول عمر -رضي الله عنه- في الطاغوت بأنه الشيطان: "ومعنى قوله في الطاغوت إنه الشيطان قوي جدًا؛ فإنه يشمل كل شر كان عليه أهل الجاهلية من عبادة الأوثان، والتحاكم إليها، والاستنصار بها" (٢).

* المسألة الثانية * معنى القاعدة

جاءت هذه القاعدة في بيان مكانة الكفر بالطاغوت من الإسلام، وأنه عمود من أعمدته، وركن من أركانه، ولا يبقى مع الإيمان


(١) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (١/ ٣٤٤).
(٢) تفسير ابن كثير (١/ ٣١٢).