للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يوضحه: أن العباد مفطورون على العلم بربوبية الله تعالى قبل علمهم بألوهيته -سبحانه وتعالى-؛ لأن فقرهم وحاجتهم إلى الربوبية سابق لفقرهم واحتياجهم إليه تعالى في ألوهيته.

يقول الإمام ابن تيمية: "ولما كان علم النفوس بحاجتهم وفقرهم إلى الرب قبل علمهم بحاجتهم وفقرهم إلى الإله المعبود، وقصدهم لدفع حاجاتهم العاجلة قبل الآجلة، كان إقرارهم بالله من جهة ربوبيته أسبق من إقرارهم به من جهة ألوهيته، وكان الدعاء له، والاستعانة به، والتوكل عليه فيهم أكثر من العبادة له، والإنابة إليه" (١).

* المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

تضافرت أقوال أهل العلم في تقرير ما دلت عليه القاعدة من كون توحيد الربوبية هو الأصل والمقدمة والواسطة والأساس الذي يأتي بعده توحيد العبادة، وكون الأول هو الدليل الأكبر الباهر الذي يدل ويقود الخلق إلى إفراد الله تبارك وتعالى بخالص العبادة، والخضوع، والذل، والمحبة، وفيما يأتي أسوق ما وقفت عليه من تلكم الأقوال التي تؤيد هذا المعنى:

ومما قرره أهل العلم: أن عبادة الله النافعة مشروطة بتحصيل معرفة الله تعالى قبل العبادة؛ لأن من لا يعرف معبوده لا ينتفع بعبادته، فكان الأمر بعبادة الله أمرًا بتحصيل المعرفة أولًا، ونظيره قوله تعالى في أول سورة البقرة: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة: ٢١]، ثم أتبعه بالدلائل الدالة على وجود الصانع وهو قوله: {الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} إنما حسن ذلك لأن الأمر بالعبادة يتضمن الأمر بتحصيل المعرفة


(١) مجموع الفتاوى (١٤/ ١٤ - ١٥).