للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلا جرم ذكر ما يدل على تحصيل المعرفة (١).

يقول -الإمام المجدد- الشيخ محمد بن عبد الوهاب في معرض جوابه عن سؤال تضمن بيان سبب قلة تعريج الشيخ على موضوع الربوبية؛ مع أن موجب الإلهية هو الربوبية، كما تضمن طلب بيان حال من لا يرى أهمية الربوبية، ولا يعتبرها، ويتهاون بها فأجاب بقوله: "سرَّني ما ذكرت من الإشكال، وانصرافك إلى الفكرة في توحيد الربوبية، ولا يخفاك أن التفصيل يحتاج إلى أطول، ولكن ما لا يدرك كله، لا يترك كله، فأما توحيد الربوبية، فهو الأصل ولا يغلط في الإلهية إلا من لم يعطه حقه، كما قال تعالى، فيمن أقر بمسألة منه: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٨٧)} [الزخرف: ٨٧].

ومما يوضح لك الأمر: أن التوكل من نتائجه، والتوكل من أعلى مقامات الدين، ودرجات المؤمنين؛ وقد تصدر الإنابة والتوكل من عابد الوثن بسبب معرفته بالربوبية، كما قال تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ} [الزمر: ٨]، وأما عبادته سبحانه بالإخلاص دائمًا، في الشدة والرخاء، فلا يعرفونها وهي نتيجة الإلهية، وكذلك الإيمان بالله واليوم الآخر، والإيمان بالكتب، والرسل وغير ذلك؛ وأما الصبر والرضا، والتسليم والتوكيل، والإنابة، والتفويض، والمحبة، والخوف، والرجاء، فمن نتائج توحيد الربوبية، وكذلك توحيد الالهية، هو: أشهر نتائج توحيد الربوبية" (٢).

فبيّن -رحمه الله- أن توحيد الربوبية هو الأصل، وأن الخلل الحاصل في توحيد العبادة، وصرف العبادة والتأله لغير الله -عز وجل- إنما هو بسبب خلل حاصل في توحيد الربوبية، وإلا فإذا سلم توحيد الربوبية من الخلل


(١) انظر: التفسير الكبير للرازي (١٧/ ١٤٥).
(٢) الدرر السنية (٢/ ٦٣ - ٦٥).