للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويقول الإمام الشوكاني: "فتقرر بمجموع ما ذكرنا: أن حصول الأعمال وثبوتها لا يكون إلا بالنية، فلا حصول، أو لا ثبوت لما ليس كذلك، فكل طاعة من الطاعات، وعبادة من العبادات، إذا لم تصدر عن إخلاص نية، وحسن طوية، لا اعتداد بها، ولا التفات إليها، بل هي إن لم تكن معصية فأقل الأحوال أن تكون من أعمال العبث واللعب، التي هي بما يصدر عن المجانين أشبه منها بما يصدر عن العقلاء" (١).

ويقول -الإمام المجدد- الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الكلام على قصة آدم وإبليس: "ومنها الشهادة للقاعدة المعروفة في الشريعة: أن كل عمل لا يقصد به وجه الله فهو باطل لاستثنائه المخلصين" (٢).

* المسألة الخامسة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

مما سبق من تقرير لهذه القاعدة يتبين لنا عظم ومكانة هذه القاعدة، وذلك لعمومها إذ لا يكاد يخلو باب من أبواب الشريعة إلا وكان له حظ منها؛ ولهذا كان اعتبار المقاصد والنيات في الأعمال من القواعد العظيمة في الشريعة، فالنيةُ أصل الشريعة، وعماد الأعمال، وعيار التكليف، فهي رأس الأمر، وعموده، وأساسه، وأصله الذي عليه يبنى، فإنها روح العمل، وقائده، وسائقه، والعمل تابع لها، يبنى عليها، يصح بصحتها، ويفسد بفسادها، وبها يستجلب التوفيق، وبعدمها يحصل الخذلان، وبحسبها تتفاوت الدرجات في الدنيا والآخرة، فقد يعمل العمل الواحد شخصان، ولا فرق بينهما في الصورة، ويكون بينهما من الفرق كما بين المشرق والمغرب (٣)، ولذا اعتبر الفقهاء قاعدة المقاصد


(١) أدب الطلب للشوكاني (ص ٣٠).
(٢) تفسير آيات من القرآن الكريم (ص ٩٨).
(٣) من كلام الإمام ابن القيم بتصرف. انظر: إعلام الموقعين (٤/ ١٩٩).